المقالات

البيضاني: ظاهرة الشعر التي لم تحدث من قبل ولن تتكرر من بعد

يظهر المبدعون بين حينٍ وآخر ظهورًا تدريجيًا تنمو معه مواهبهم، وينمو بالمقابل احتفاء الناس بهم، إلى أن يصلوا ذروة الإمكانات وذروة المكانة، ويأتي أحيانًا استثناء لهذا ليُشكل موهبة فوق العادة كما حدث مع الشاعر الكبير عبدالله البيضاني الذي لم يمر بالمراحل المعتادة؛ فقد جاء بموهبة تجاوزت كل الأطر، ومن أول مشاركاته تجاوز كل الأسماء التي كانت في ذاكرة الناس، وابتدأت تتسع دائرة معجبيه إلى أن ضمت أغلب جمهور الشعر على مستوى الخليج العربي بكافة أطيافه وفنونه، ولم يكن غريبًا أن يكون ضمن هذه الدائرة كبار الشعراء حتى من أقرب منافسيه، بل والأغرب أن شاركهم الإعجاب بموهبة البيضاني شعراء وأدباء ونقاد بعضهم له موقف مضاد للشعر الشعبي بأكمله، ومن يعرف الشعر والشعراء ويعرف البيضاني تمام المعرفة لا يستغرب ذلك .
البيضاني كما يحب الناس أن يسموه، والهريري كما يعنون به قصائده، علامة فارقة في تاريخ الشعر، ولك أن تأخذ أي بيت من أبيات البيضاني، وتحلل مفرداته وتحاول أن تستبدل أي مفردة بمرادف لها، ستجد أن البيضاني اختار المفردة الأنسب، والصورة الأبلغ، وأوصل المتلقي إلى حالة الإعجاب والإقرار التام .
يمتلك أبو ماجد ذاكرة حديدية، وبديهة مُتقدة، وذكاءً نادرًا، وقدرة على التقاط الصور التي لم تكن في الذهن، وعند تحليل هذه القدرات الهائلة من قبل مختصي التفكير قد يرتفع إلى مصاف العباقرة ومفرطي الذكاء، والمواقف كثيرة تؤكد ما ذكرت، وليس هنا المجال لحصرها لكن لعل بعضكم بلغه شيء من قصص الذاكرة المذهلة والذكاء المتفوق للبيضاني .
والبيضاني شاعر يعطي الشعر حقه في كل أدواره، فإن بدع أتقن البدع للدرجة التي يوازن بها بين إبداعه اللامتناهي في الجزء الذي يخص البدع، وبين تهيئة الطريق أمام الرد ليُفجر فيه المفردات والأخيلة إلى الحدود القصوى، ليكون الرد على البيضاني أفضل فرصة للشاعر المقابل أن يُقدم نفسه، وفي نفس الوقت أكبر تحدٍّ يجعل فيه الشاعر نفسه في موقف المقارنة بشاعر عملاق كالبيضاني، فضلًا عن الجو الشعري العالي الذي يخلقه في الحفلة، وكثيرًا ما تسمعه يردد بعد الشعراء الآخرين نهايات الأبيات، ويحتفي بالإبداع (طيب طيب، طيب يا شيخ، طيب يا سيدي، الله الله)
واسم البيضاني ورقة رابحة لنجاح أي مُناسبة يحضرها، وضمان لنجاح أي ثنائية يُشكلها، فقد نجح مع “أبو جعيدي ومع ابن مصلح ومع الغويد ومع والدي سعود ومع الأصوك ومع ابن طوير” رحمهم الله جميعًا، ونجح مع الأجيال التالية كلها ونضبت الكثير من المواهب وانحسرت الكثير من النجوم، وأبو ماجد مازال يغرف من البحر، ويتوهج كل سنة أكثر من ذي قبل .
والحديث عن شعر البيضاني يطول ويطول، ولا يقل الحديث عن شخصيته أهمية، ففي شخص “أبو ماجد” تتجلى معاني الأصالة والرجولة، والحكمة والخُلق الرفيع، يغلف ذلك لطف المعشر، وحسن الحديث، ويبرز فيه صفة العربي الأصيل بالكرم الحاتمي الذي لا يعترف بالقدرة المادية، ولا بالكرم المخطط الذي يقدم من أجل اكتساب المنافع المادية والمعنوية، بل هو كرم فطري لا يُجارى، فهو نابع من نفس سامية، ومن معدن أصيل.
والحقيقة أنني في غاية السرور أن يتم تكريم البيضاني، فهو تكريم للشعر وأهله، وتأكيد للقيم العربية العظيمة، ولا أجد من الشكر ما يكفي لمن دعا للفكرة ومن بادر ومن بارك، وأظنني أعلم وتعلمون أن تكريم المُبدع لا يعني نهاية المشوار، بل مازلنا ننتظر من “أبو ماجد” الكثير، ومن يعرف موهبة البيضاني يؤمن بذلك، بل لا أبالغ إن قلت: إن “أبو ماجد” بإمكانه أن يُقدم في العشرات السنوات القادمة أضعاف ما قُدم خلال مسيرته، تمنياتي لشاعرنا الكبير بموفور الصحة والمزيد من التألق والعطاء.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. اخي العزيز عبدالواحد الزهراني مع تقديري واحترامي لك ولوجهة نظرك في عبدالله البيضاني فاني معك انه ظاهره شعريه فارقة من الظواهر الشعرية التي سبقته او من جيله او بعده وانت واحد من هولاء في شعر العرضة الجنوبية ولكن عنونك ظاهرة الشعر التي لم تحدث من قبل ولن تتكرر من بعد فهذه اختلف معك فيها فهناك شعراء من قبل او من جيله سبقوه بالابداع ولست بصدد ذكر احدهم فهم كثر في الشعر الجنوبي فكنت اتمنى ان تجعل عنوان مقالك :
    من وجة نظري المتواضعة وقد يختلف مع الكثير
    ظاهرة الشعر التي لم تحدث من قبل ولن تتكرر من بعد في قبيلة زهران حجز وتهامة
    ولك شكري وتحياتي

  2. ابدعت ياشاعر الجيلين ….
    كلما ذكرته عن شاعر الثقلين عبدالله البيضاني قليل من كثير فالبيضاني ظاهره شعرية متفرده لاتتكرر الاكل ١٠٠ سنة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى