مادة هُلامية رخوة داخل جمجمة الإنسان ينبثق منها الوعي، وقد تنجلي عن اختراقات عبقرية مُذهلة لكنها رغم هذه الروعة؛ فإنها هشة وقابلة للعطب والتدهور.
تلك قصة العطب الذي أصاب دماغ عالمة الأعصاب الأمريكية البروفيسورة جيل بولتي تيلور، أصيبت هذه العالمة بجلطة في الشق الأيسر من الدماغ، وهي تحكي قصة هذا العطب الذي أصابها تحكيه بأسلوب روائي رائع.
هنا في هذا الكتاب يدخل القارئ في مزيج من المتعة والدهشة والمعرفة المتخصصة.
إن العلم هنا يتجلى في ثوبٍ روائي شديد العذوبة… في الكتاب تتعرّف على وظائف شقي الدماغ؛ فالعطب الذي أصاب الفص الأيسر من الدماغ قد غابت بغيابه اللغة والأرقام كما غاب الإحساس بالواقع؛ فشعرت العالمة بأنها تعيش خارج الزمان والمكان، وأنها لم تعد ذلك الكائن الذي يُدرك حدوده، ويملك زمام أمره فأصبحت ترى نفسها في اللا مكان وفي اللا حدود.
وبغياب اللغة غابت المفاهيم؛ فحين أبلغوها في المستشفى بأن أمها قادمة لم تُدرك دلالة ذلك؛ لأن مفهوم الأم قد غَاب من ذهنها كما غابت أرقام الهواتف وسكتت ضوضاء وثرثرة الشق الأيسر، والغريب أن أجهزة الإنذار في الجهاز الحافي لم تستشعر العطب الذي أصاب الدماغ؛ فظلت هاجعةً أما النتيجة فقد كانت غياب الخوف؛ فاللوزة لم تستشعر الضرر الذي حصل.
إن وظيفة اللوزة هي الاستنفار وإعلان حالة الطوارئ لدفع الإنسان إلى المواجهة أو الهرب لكن اللوزة ظلت ساكنةً، وقد نبهت العالمة إلى خطورة إصابة الشق الأيسر؛ لأن الشخص المصاب لا يحس بخطورة حالته بل يشعر بعالم بهيج قد يجعله يستعذب هذه البهجة؛ فلا يطلب المساعدة.
إن قصة العطب الذي أصاب دماغ هذه العالمة قصة مثيرة وآسرة ومفيدة؛ فأنت أمام نص علمي لكنه نص عذب وممتع ولذيذ.
0