في مجال الشعر الشعبي الجنوبي عامة وفي منطقة الباحة على وجه التحديد يعتبر الشاعر الشعبي عبد الله البيضاني قامة شعرية تستحق الدراسة كما تستحق النقد وشهادتي فيه ليست مجروحة بحكم العلاقة بل شهادة حق مستحقة لما يمتلك من كرم أخلاق وركادة في المحافل الشعرية وتواضع مقرون بالاعتراف وهذا ما قاله الشاعر بنفسه في إحدى المناسبات التي أقيمت تكريما له في بلاد غامد وبالتحديد في قصر الشيخ علي بن سعيد قشاط الغامدي بحضور الشاعر المبدع الأكاديمي الصديق الدكتور عبد الواحد الزهراني والشاعر الدرمحي والشعراء خالد غنيم وأخيه فهد وجمع من المثقفين ومحبي الشعر الشعبي حيث قال البيضاني : لقد سئمنا نحن الشعّار الشعبيين من عبارة ” صح لسانك ” بعد كل قصيدة وطالب في الوقت نفسه بضرورة نقد شعرهم فإن أجاد الشاعر وإن أخفق يجب أن يتم تفكيك قصيدته وإبداء ما لها وما عليها ومن هذا المنطلق أرى بأنه أصاب كبد الحقيقة بل ويحسب له هذا الاعتراف الضمني لما تزخر به الساحة من شعراء مخضرمين وشباب قادمين وما يتم من تنافس بينهم في ساحة المناسبات ومجالس التجمعات الاجتماعية ومن خلال مناقشاتي مع بعض النقاد وبالذات شعراء الفصيح فإن بعضهم أبدى عدم اتفاقه مع قصيدة الشقر مالم يتم تطويرها لتقترب من قافية الفصيح واعتبر في قافية البيت البدع والرد اعتساف لبنية الكلمة لفظاً ومعنى ولوي عنق للغة الشعرية أو حتى اللهجة بطريقة غير محسوبة لدى المتلقي وقول البعض بأن الشعر الجنوبي ربما سماعي أكثر منه قرائي للأسباب السابق ذكرها وإن كانت قافيته ضمن الجناس كواحد من الفنون البديعية أو السجع إن صح الإسقاط إلا أن هناك من يستهجن الإكثار منه كونه حلى لفضية إلا أنهما يقعان تحت مظلة تطابق كلمتين لفظا واختلاف بينهما في المعنى وهذا المبحث يحتاج دراسة تطبيقية على أكثر من نص شعري شعبي لأكثر من شاعر يجيد هذا الفن في أكثر من غرض وأكثر من نوع من أنواع الفنون الشعبية كالعرضة والمجالسي والمسحباني وغيرها مما تحفل به المنطقة الجنوبية والباحة بالتحديد من فنون شعبية .
نعود لأبي ماجد الشاعر الذي أمضى قرابة نصف قرن تقريبا وهو في ساحات العرضات الشعبية وفي حضوره اللافت في المناسبات العامة والخاصة باعتباره النموذج الأقدم الأحدث في مجال الفنون الشعبية التي تمثلها العرضة الجنوبية بالذات لأنها الأكثر حضورا في مناسبات الجنوبيين سواء في المنطقة الجنوبية لتشابه فنونها أو في مدن المملكة التي يدعى لها الشعراء المميزون وعلى رأس القائمة الشاعر عبد الله البيضاني والذي لا يحب الأضواء كثيرا وهذا ما ثبت لدي على الأقل عندما عرضت عليه جمع بعض نتاجه الشعري وليس جميعه وكنت قد نسقت حينها مع رجل الأعمال شنان بن عبد الله – يرحمه الله – لإصدار مميز مصور على نفقته الخاصة طباعةً فاخرة وبالتعاون مع الشاعر نفسه لاختيار ما يتم نشره في الكتاب الذي اخترت أن يقدم له الشيخ عائض القرني الذي دائما ما يثني على شعر البيضاني بعبارات مستحقة من رجل معروف على مستوى الوطن ولكن من تواضع الشاعر البيضاني قال لي : ماذا عساني أضع بين يدي القارئ ولم يوافق حينها على هذا المشروع الذي كنت أتمنى أن يتم تنفيذه ليتم توزيعه في هذه المناسبة الكبيرة التي ستقام احتفاء بشعره الشعبي واحتفالا بمرور نصف قرن على إبداعه في هذا الميدان طول البلاد وعرضها .
سبق وأن كتبت مقالا في صحيفة مكة الإلكترونية حول الشعر الشعبي ومدى تقاطعه اللفظي مع الفصحى وأكدت بأنه لا يخرج عن سياق اللغة العربية حتى لو كان باللهجة المحلية بالرغم من اختلاف البعض معي في ما كتبت ولكني وبهذه المناسبة أجزم بأن ألفاظ الشعبي لا تخرج عن الفصحى كثيرا عدا ما يخص القافية فهذا يحتاج لناقد أدبي يمتلك أدوات النقد لعموم الشعر وربما يأتي من يفكك رمزيته التي تمثلها القافية في كل بيت ومدى إخضاعه لميزان البلاغة الأدبية والصنعة الفنية ومدى خضوعه للجناس والطباق والسجع وغيرها من المحسنات البديعية اللفظية والمعنوية .
من وجهة نظري فإن الشاعر عبد الله البيضاني يمتلك زمام المبادرة الشعرية في البدع والرد فإن بدع أبدع وإن رد أسمع ويظل الأكثر حضورا في الرد المقنع والمقذع احياناً حسب ما يمليه الموقف على البدع سواء له أو لغيره ولأنه يجيد تطريز الكلمة بالمعنى الأقرب فهذا يحسب له حضورا ذهنيا وسرعة بديهة في وقت لا يحتمل التأخير وإن كان هناك من يرى أن البدع هو الأقوى والأصعب إلا أنني أرى أن الرد هوالأكثر قوة لأن الشاعر الذي يرد على الشاعر الآخر لم يحضّر للقصيدة فيما الشاعر الذي يبدأ قد يصنع القصيدة أثناء جلوسه وقت دوران ما يسمّون بالعرّاضة في الميدان فيما يواجه شاعر الرد صعوبات ثلاث تكمن في اللفظ والمعنى واختلاف القافية وعدم تطابقها في المعنى وهذه كفيلة بأن تخلق صراعاً في ثواني لا يستطيع مجابهتها والخروج منها إلا من خلال شاعر متمكن واعتبر البيضاني ملك الرد ومبدع البدع .
من هنا نبارك للشاعر المبدع عبد الله البيضاني الاحتفاء المنتظر ونتمنى أن يواصل عطاءه في ميادين وساحات العرضة الشعبية وأن نرى له ملحمة وطنية في قادم الأيام لهذا الوطن المعطاء – في هذا العهد الزاهر عهد الملك سلمان وسمو ولي عهده محمد بن سلمان في وطن العز والكرامة وطن الإبداع – الذي أنجبه وأنجب الكثير من المبدعين في الشعر سواءً فصيحه أوشعبيه والشعر العربي الفصيح والشعبي والنبطي مرتبطة باللغة واللهجة التي نتحدثها في احتفالاتنا ومناسباتنا العامة والخاصة ومواسمنا والمتوّجة بمئات الدواوين الشعرية التي تنوء بها أرفف المكتبات العامة والتجارية والخاصة .
انعطاف قلم :
مازلت أتمنى أن يسمح لنفسه بالوقت الكافي لجمع وطبع ما يرى من شعره المختار ليكون نبراسا للصاعدين من الشباب وأتمنى أن يتحقق ما يدعو إليه من وضع الشعر الشعبي بوجه عام وشعره على وجه التحديد في ميزان النقد الأدبي بحثاً ودراسة كما ندعو له بالعمر المديد في صحة ومواصلة إبداع ، والله من وراء القصد .
0