المقالاتعام

لماذا تعثَّرت القضية الفلسطينية؟

نبذة تاريخية

– “فلسطين” من أقدم دول العالم، وهي مهد الحضارات النطوفية والغسولية والكنعانية التي ظهرت قبل أن تطأ أقدام اليهود فلسطين بآلاف السنين.

– تعترف التوراة بأن العرب اليبوسيين هم أول من سكن يبوس (القدس).

– شهدت فلسطين موجات من الهجرات والغزوات على مر السنين، وحكمت من قبل الفراعنة والبابليين والأشوريين والفرس والرومان والإغريق، ومن الصليبيين في العصور الوسطى. ولكن فترة الحكم العربي الكنعاني كانت الأطول (3500 ق.م – 1200 ق.م)، ثم فترة الحكم الإسلامي (1400 عام)، ولم يحكم اليهود فلسطين إلا في فترات متقطعة كان أطولها 80 عامًا (فترة الحشمونيين)، ولم تتجاوز فترة احتلالهم لفلسطين فترة الحكم الروماني لها، وكانت فلسطين دائمًا تحتضن المهاجرين المسالمين، وتلفظ الغزاة والمعتدين، ووقف نابليون عاجزًا أمام أسوار عكا.

– ترسخت عروبة فلسطين بالفتح الإسلامي عام 637 م.

– بدأت القضية الفلسطينية تتبلور منذ صدور وعد بلفور عام 1917، وأصبحت حقيقة واقعة مع صدور الانتداب البريطاني عام 1922.

– قاوم الشعب الفلسطيني حكومة الانتداب البريطاني (الاحتلال) والحركة الصهيونية في بلاده منذ ذلك الحين، وقام بالعديد من الثورات والانتفاضات دفاعًا عن أرضه وعروبته ومقدساته من أهمها ثورة البراق (1929) وثورة 1936- 1939.

– قامت سلطات الانتداب بفتح أبواب الهجرة اليهودية لفلسطين على مصراعيها، وسهَّلت في الوقت نفسه عملية انتقال الأراضي إليهم.

– بينما كانت سلطات الانتداب البريطاني تُحرم على الفلسطينيين اقتناء السلاح، وتُعتبر ذلك جريمةً كبرى، كانت تسمح للعصابات الصهيونية (الهاجاناه- الأرجون – شتيرن) بالتسلح وإقامة معسكرات التدريب.

– قامت تلك العصابات بالعديد من المجازر ضد الشعب الفلسطيني قبيل وخلال حرب 1948، وبعدها من أبرزها مذبحة دير ياسين في 9 أبريل 1948.

– كانت فلسطين على مر تاريخها غير موحدة ولم تحكم – كما كانت مصر أو العراق- من قبل قائد أو ملك واحد، وإنما كانت عبارة عن ممالك منفصلة، كل مملكة مسورة ومستقلة بذاتها، ولم يحدثنا التاريخ عن توحد المدن الكنعانية تحت لواء واحد إلا في معركة مجدو التي انتصر فيها فرعون مصر تحتمس الثالث على ائتلاف المدن الكنعانية بقيادة ملك قادش.

أسباب تعثر القضية الفلسطينية:

1- أسباب عربية:

– كان الخطأ الأكبر الذي ارتكبه العرب عام 1948 هو قرارهم بتدخل الجيوش العربية في فلسطين، فأولًا كان هذا الجيش تحت إمرة الجنرال البريطاني جلوب باشا الذي يُعرف عنه أنه سلم اللد والرملة، وثانيًا كانت هناك فضيحة الأسلحة الفاسدة التي كانت في حوزة الجيش المصري، واشتهرت جملة “ماكو أوامر” في أوساط الجيش العراقي، وغير ذلك. وعندما انهزمت الجيوش العربية في تلك الحرب أشاعت إسرائيل أنها انتصرت على سبعة جيوش عربية اجتمعت لترمي بها في البحر، ومن المعلوم أن عدد القوات الصهيونية في حرب 48 كان يفوق عدد القوات العربية. وكانت هذه الإرهاصة الدعائية الأولى التي روجتها إسرائيل ضد العرب وحققت أصداء عالمية واسعة في الغرب، وهنا لا بد من التذكير أن الملك عبد العزيز وحده – برؤيته الثاقبة – هو الوحيد الذي عارض فكرة التدخل العربي العسكري في فلسطين، وكان يرى أن الأفضل أن يتم تسليح وتدريب الفلسطينيين، وبالفعل هناك ما يثبت إبرامه صفقات سلاحية مع ألمانيا لصالح الفلسطينيين، ويذكر أن المملكة شاركت في حرب 1948 امتثالًا لوحدة القرار العربي؛ حيث استشهد العشرات من أبنائها في تلك الحرب.

– القبول بالهدنة الأولى: انتهزت إسرائيل فرصة قبول العرب بالهدنة لدعم قواتها وتعزيز إمكاناتها وتلقيها إمدادات ومساعدات عسكرية من الخارج؛ خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، وتحقيق النصر النهائي على العرب عند استئناف القتال.

– كان بإمكان العرب الإعلان عن قيام دولة فلسطينية تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة بعد انتهاء حرب 48، لكن مصر ضمت إليها قطاع غزة، والأردن ضمت إليها الضفة الغربية، كما ضمت الأردن إليها القدس الشرقية التي كان يُفترض أن تخضع بموجب قرار التقسيم إلى إشراف دولي، وكان الخطأ الأول للقيادة الفلسطينية المتمثلة بالحاج أمين الحسيني في ذلك الوقت الموافقة على تمزيق وتوزيع ما تبقى من فلسطين، وعدم المبادرة بإعلان دولة فلسطينية في الضفة والقطاع.

– وفي حرب 67 تسببت مغامرة الرئيس المصري جمال عبد الناصر في نكسة 67، والتي نتج عنها إضاعة مصر لقطاع غزة، وإضاعة الأردن للضفة الغربية، وكان المفترض أن تُطالب مصر بغزة وتُطالب الأردن بالضفة، لكن ما حدث هو أن مصر وقّعت اتفاقية سلام مع إسرائيل استعادت بموجبها أراضيها المحتلة بدون غزة، وبدلًا من مُطالبة الأردن بالضفة الغربية المحتلة؛ فإنه أعلن في عام 1988 عن فك الارتباط بالضفة الغربية، وهكذا أصبحت الأراضي الفلسطينية بلا صاحب شرعي.

– أدى توقيع مصر معاهدة سلام مع إسرائيل إلى خروجها من دائرة الصراع، لا سيما بعد أن أعلن الرئيس المصري محمد أنور السلام أن حرب 73 هي آخر الحروب مع إسرائيل، وهو ما أدى إلى ظهور وضع جديد في حالة الصراع، وهو أن تواجه م. ت. ف. إسرائيل بمفردها.

أخطاء مشتركة

– القبول بدخول عملية التسوية في مدريد وأوسلو على أساس قراري مجلس الأمن 224 و338 فقط، وتجاهل بقية قرارات الشرعية الدولية كقرار التقسيم 181 وقرار حق العودة 194 وعديد القرارات التي تتحدث عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحقه بمقاومة الاحتلال..إلخ. وهذا يتعارض مع إعلان قيام الدولة في الجزائر 1988 الذي قَبِل الدخول بعملية التسوية على أساس كل قرارات الشرعية الدولية.

– القبول بأن تكون الولايات المتحدة الأمريكية الراعي والوسيط الوحيد لعملية السلام بالرغم من الحقيقة المعروفة لدى الجميع بأنها الحليف الاستراتيجي الأكبر والداعم الرئيسي لإسرائيل.

أخطاء فلسطينية:

– المشكلة الكبرى التي ظلت مرافقة للقضية الفلسطينية منذ نشأتها تعدد القيادات والأحزاب والتنظيمات الفلسطينية، والانقسامات الفلسطينية التي ظلت تنخر في جسم القضية الفلسطينية منذ ثلاثينيات القرن الماضي بدءًا من الانقسام الذي دب بين عائلتي الحسيني والنشاشيبي؛ حيث أدى العداء والتنافس بينهما إلى التآمر مع العدو من أجل إيذاء الطرف الآخر.. وفي النصف الأول من القرن العشرين بلغ عدد الأحزاب الفلسطينية ستة أحزاب متنافسة، وفي ستينيات القرن الماضي بلغ عدد التنظيمات الفلسطينية أربعين تنظيمًا كثيرًا ما نشبت النزاعات المسلحة بين بعضها البعض.

– كما تعرض التنظيمان الأكبر منها (فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) لعدة انقسامات، وجاء الانقسام الأكبر بين السلطة الفلسطينية (فتح) وحماس على إثر نجاح الأخيرة في الانتخابات التشريعية عام 2006.

– انفردت فلسطين وحدها بين دول المنطقة بأنها وقعت تحت سلطة الزعامة الدينية التي تمثلت بالحاج أمين الحسيني.

– نمو الثورة الفلسطينية وقاداتها خارج الأرض المحتلة، وعندما عادت تلك القيادات إلى الداخل الفلسطيني؛ فإنها عادت بعد أن تخلت عن أهدافها، وبدأ يستشري فيها الفساد.

– تأجيل قضايا الوضع النهائي في مفاوضات السلام بالرغم من أنها القضايا الأساس، مما جعل المفاوضات تُشكل غطاءً للاستيطان والتهويد في الضفة والقدس.

– عدم وجود رؤية أو إستراتيجية واضحة للقيادة تتعلق بالعمل من أجل ترجمة حلم الدولة والعودة إلى أرض الواقع، فقد تضاءلت الأهداف من العمل من أجل استعادة كامل التراب الفلسطيني في ثورة 1965 إلى إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67، وتم شطب العديد من مواد الميثاق الفلسطيني احتفالًا بزيارة الرئيس كلينتون وزوجته هيلاري كلينتون إلى غزة دون مقابل.

في صيغة الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير، اعترفت منظمة التحرير بحق إسرائيل بالوجود دون ذكر لحدود إسرائيل، وكان يُفترض أن يكون الاعتراف بإسرائيل في حدود ما قبل حرب يونيو 1967 مقابل اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية على حدود 1967.

– تهميش منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، وإحلال السلطة الفلسطينية محلها بشكل تدريجي، وعدم المبادرة بإصلاحها وإعادة هيكلتها بالرغم من تطور الأحداث وتعقيدات الأوضاع.

– عدم الاهتمام بالجاليات الفلسطينية في الخارج بالرغم من تشكيلها أكثر من نصف تعداد الشعب الفلسطيني.

– تمركز الرئاسات بيد واحدة – رئاسة الدولة ورئاسة منظمة التحرير ورئاسة السلطة ورئاسة حركة فتح.

– تجريد فتح من بندقية المقاومة والمناداة بالمقاومة السلمية، مع أن ميثاق الأمم المتحدة يمنح حق ممارسة الشعب المحتل لكافة أنواع المقاومة.

– – بالرغم من أن أوسلو ماتت وشبعت موت، وبالرغم من اعتراف إسرائيل بهذه الحقيقة، إلا أن السلطة ما زالت متمسكة بأوسلو وبشرعيتها، وتعتبر التنسيق الأمني مقدسًا، وفي النهاية تبدو أوسلو بأنها أعفت إسرائيل من معظم موجباتها كمحتلّ عسكري، وسمحت لها في الوقت نفسه بممارسة السيادة على كامل الأراضي.

– عدم إنجاز تقدم في ملف الانقسام والمصالحة الوطنية.

– انتشار الفساد في جسم السلطة الوطنية الفلسطينية، وقادتها ومؤسساتها ومستشاريها.

– تشبث القادة الفلسطينيين بكراسيهم وبقائهم في مناصبهم عشرات السنين، وعدم الفسح للقيادات الشابة ليحلوا محلهم، هناك – على سبيل المثال – أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني منذ قرابة أربعين عامًا.

– غياب وتهميش الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية.

هذا على صعيد الداخل، أما على الصعيد الخارجي:

– أدت أخطاء الثورة الفلسطينية وتصرفاتها غير المسؤولة إلى طرد القوات الفلسطينية من عمان، ثم الأغوار، ثم لبنان، وانتهى الأمر بالمنظمة إلى تدمير بنيتها العسكرية بعد حرب إسرائيل على لبنان عام 1982.

– وقوف م. ت. ف. إلى جانب العراق في غزوه للكويت عام 1990. شكَّل بداية التراجع العربي في دعم القضية الفلسطينية.

الخلاصة:
نستطيع التقرير في ضوء ما سبق إلى أن القضية الفلسطينية تُعاني من أزمة قيادة متواصلة، وأنها في حاجة إلى قيادة مخلصة، تُقاوم ولا تساوم، توّحد ولا تقسم، قيادة وطنية تتبنى مشروعًا وبرنامجًا وطنيًا تحرريًا، واستراتيجية عامة وشاملة، وتتبنى قرارًا مستقلًا يأخذ في الاعتبار وبالدرجة الأولى، المصلحة الفلسطينية الوطنية العُليا من واقع الرواية الفلسطينية للتاريخ التي تستند إلى علم الآثار وشواهده، وتقوم على أساس أن فلسطين هي وطن الفلسطينيين منذ آلاف السنين وقبل اليهود بألفي عام على أقل تقدير.
(3)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى