المقالات

جائزة الملك فيصل: ولدت عالمية

سبع وأربعون عامًا من التميُّز في جائزة الملك فيصل العالمية، والتي ولدت عالمية. تُساعد هذه الجائزة لمن ينالها الفوز بجوائز عالمية أخرى، مثل: جائزة نوبل وغيرها من الجوائز ذات الأثر الكبير، وهو ما سندلل عليه في هذه التناولة السريعة عن الجائزة.
تحمل جائزة الملك فيصل العالمية اسمًا غاليًا على كافة السعوديين، وفي هذا السياق، ثمة جملة خالدة لأمين الجائزة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة. “إن عظمة الأمم لا تُقاس بوسائل الحضارة المادية، وإنما تُقاس بمواقفها الإنسانية من أعمال الخير والبر.”
هذه الجائزة الهامة تحمل اسمًا لرمز عربي سعودي هو جلالة الملك فيصل-رحمه الله- الذي يُمثل قيمة عظيمة للسعوديين والعرب والمسلمين كيف لا وهو صاحب المواقف العربية والإسلامية المشرفة.
وتاريخيًا وبعد وفاة الملك فيصل بن عبد العزيز سنة 1975م أنشأ أبناؤه مؤسسةً خيريةً أطلقوا عليها اسم مؤسسة الملك فيصل الخيرية، وكان ذلك سنة 1976م. لاحقًا وتحديدًا في شهر شعبان سنة 1397هـ الموافق لسنة 1977م أعلن الأمير عبد الله الفيصل أكبر أبناء الملك فيصل أن المؤسسة قررت إنشاء جائزة عالمية تحمل اسم الملك فيصل تخليدًا لمواقفه ونبله وحبه للعلم والعلماء، وفي شهر رمضان من العام نفسه تقرر أن تشمل الجائزة ثلاثة مجالات هي: خدمة الإسلام والدراسات الإسلامية والأدب العربي، وحُدّدت سنة 1399هــ1979م أول سنة تُمنح فيها الجائزة؛ حيث عُقد الاجتماع الأول لأعضاء اللجان في الثالث من ذي القعدة 1397هـ الموافق 15 أكتوبر 1977م وتم فيه إعلان موضوعات الجائزة، وتمنح الجائزة للعلماء بعد اختيارهم تكريمًا لإسهاماتهم البارزة في مجالات الجائزة؛ وتم منح أول جائزة سنة 1399هـ الموافقة لسنة 1979م، ولاحقًا أضيف لها مجالان آخران، هما: الطب والعلوم.
كان أول من حاز على الجائزة في نسختها الأولى كلًّا من أبي الأعلى المودودي في مجال خدمة الإسلام، وفؤاد سزكين في مجال الدراسات الإسلامية، وفي مجال اللغة العربية وآدابها كان أول من حازها كلًّا من إحسان عباس وعبد القادر القط سنة 1400هـ الموافقة لسنة 1980م مشاركة بينهما؛ ولكون الجائزة عالمية منذ البدايات فقد حصل عليها ديفيد مورلي، ويعد هذا الفائز أول من نال الجائزة في مجال الطب وذلك سنة 1402هـ الموافقة لسنة 1982م، وفي مجال العلوم كان أول من حازها كلًّا من هاينريخ روهرير وجيرد بينيج بالمناصفة بينهما، وكانت جانيت راولي أول امرأة تحصل على الجائزة، وقد حازتها في مجال الطب بالمناصفة مع ملفن فرانسيس غريفز سنة 1408هـ الموافقة لسنة 1988م.
في شهر يناير من كلِّ عامٍ تُعلن أسماء الفائزين بالجائزة عادةً على أن تكون مراسم تسليمها تحت رعاية ملك السعودية أو من يمثله، ويكون ذلك في مقر مؤسسة الملك فيصل الخيرية بمدينة الرياض. حتى اليوم بلغ عدد من نالوا الجائزة بمختلف فروعها منذ إنشائها حتى سنة 4202م؛ 295 فائزًا يمثلون 45 دولة، ومن الفائزين من نالوا بعد ذلك جوائز عالمية أخرى بارزة مثل جائزة نوبل.
وفي هذا العام 2024 توج عدد من العلماء بالجائزة ومنهم: الدكتور محمد السماك الذي فاز بـجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام لهذا العام لإسهاماته المبكرة والمتواصلة في تعزيز الحوار الإسلامي – المسيحي، فضلًا عن عُمق كتبه وبحوثه، و”ارتكازها على المنهجية الموضوعية، والرصانة العلمية”، ومنحت الجائزة في فرعها “للدراسات الإسلامية” عن موضوع “النظم الإسلامية وتطبيقاتها المعاصرة” للبروفيسور وائل حلاق، الأستاذ في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة لتقديمه مرجعية علمية موازية للكتابات الاستشراقية التقليدية المؤثرة في الجامعات العالمية. وتجلى ذلك في أعماله الكثيرة التي ترجمت إلى العديد من اللغات، وفي الجائزة الثالثة “فرع اللغة العربية والأدب”، قررت اللجنة حجب الجائزة لهذا العام، وفي الفرع الرابع المخصص “للطب” منحت الجائزة للبروفيسور الأمريكي جيري روي ميندل، الأستاذ في جامعة أوهايو، وحسب بيان مؤسسة جائزة الملك فيصل، حصد ميندل الجائزة لـ”عمله الرائد في الفحص والتشخيص المبكر، وعلاج المرضى الذين يعانون ضمور العضلات الشوكي والحثل العضلي من نمط دوشين، والضمور العضلي لحزام الأطراف”. كما يعد أول باحث يوضح سلامة وفعالية الجرعات العالية من علاج نقل الجينات بوساطة الارتباط بالفيروس الغدي لمرضى ضمور العضلات الشوكي من النوع الأول، وهو علاج تمت الموافقة عليه عالميًا.
وأشارت مصادر تاريخية لكلماتٍ خالدة لصاحب السمو الملكي خالد الفيصل، رئيس هيئة الجائزة جاء فيها “لعلنا بهذه الجائزة نقدم دعوةَ صداقةٍ ومودّة للعالم أجمع، ليقفَ معنا على قيم حضارتِنا، وأُسس ثقافتِنا التي تحتفي بالعلم، وتكرِّمُ العلماء بدون عنصرية لجنسٍ أو لونٍ أو عِرق”. وأضاف الأمير خالد الفيصل رئيس الجائزة:”إن عظمة الأمم لا تُقاس بما تملكه من وسائل الحضارة المادية، وإنما تُقاس بمواقفها الإنسانية من أعمال الخير والبِرِّ. والأمة الإسلامية لم تحقِّق سيادتها في الأرض من خلال ثرواتها المادية وقد كانت كثيرة، بل سادت العالم بمبادئ الدين الحنيف، وتعاليمه الداعية إلى فعل الخير وإعمار الأرض. قال الله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ١٠٤﴾ (آل عمران: 104) وأكد سموه: “ومَجد الأفراد لا يصنعه الجاه والنَّسَب والحَسَب، وإنما تصنعه أعمالهم العظيمة الهادفة إلى خدمة عقيدتهم وخير أُمَّتهم وبلادهم والإنسانية كلها. من هذه المنطلقات، التي كان يعمل فيصل بن عبد العزيز لها، ومن أجل هذه المبادئ التي استُشهِد في سبيلها والبقاء عليها، أقيمت مؤسسة الملك فيصل الخيرية؛ مُؤسَّسةً تدعم الخير، وتدعو إليه، وتُسهِم في البناء ولا تبخل بالعطاء.”
وطوال سبع وأربعين عامًا عكف أبناء المغفور له بإذن الله تعالى على أن يولوا الجائزة كل الاهتمام والبذل السخي، وتم إنشاء الأمانة العامة لجائزة الملك فيصل. ولضمان استمرارية الجائزة وموضوعيتها، وضعت الأمانة الخاصة بها وهي الجهاز التنفيذي الذي ينهض بالأعمال الإدارية للجائزة، ولا يحق للأمانة العامة مباشرة الاختيار أو الفحص أو الترشيح للجائزة، بل يقتصر عملها على التهيئة والإعداد والمتابعة. أما القرار الأخير فهو لأعضاء لجان الاختيار الذين تضع هيئة الجائزة فيهم الثقة المطلقة للاختيار، وتقع عليهم المسؤولية الكاملة في ذلك.
بقي القول.. إن هذه الجائزة العالمية في عمرها السابع والأربعين تثبت نظرة استشرافية للمملكة العربية السعودية وقيادتها منذ عقود؛ كما تدل على عناية كبيرة توليها حكومة هذه البلاد المباركة للعلم وأهله والعلماء وإنجازاتهم التي تخدم البشرية جمعاء، وإنه لشرف كبير أن يكون للمملكة العربية السعودية هذه البصمات العظيمة منذ بداية تأسيسها وحتى اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى