المقالات

ربّ كلمة صَنعت طالبًا عظيمًا (١)

يحتاج الطالب في بداية مشواره العلمي بالجامعة إلى إضاءات وتوجيهات وإرشادات تُعينه في دراسته، وتُجنبه الإخفاق الناجم عن التقصير أو الجهل بالأنظمة، ومع أن الطالب تقع عليه مسؤولية كبيرة في التعرف على النظام واللوائح إلا أن جانب القراءة التطوعية والاستكشافية عند كثير منهم غير واردة؛ لذلك لا تتعجب إن وجدت طالبًا على مشارف التخرج، وهو لا يعرف كيف يحسب مُعدله، أو لا يعرف نسبة الغياب التي تسبب له الحرمان بالمقرر، أو الأعذار المقبولة وغير المقبولة لغيابه، بل قد تجد طالبًا لم يذاكر ثم يتغيب عن الاختبار خشية الرسوب ثم يأتي بأعذار لا تقبل ظنًا منه أنها ستنفعه؛ فتكون النتيجة الحرمان بالمقرر.

إن الطالب الذي يقرأ اللوائح والأنظمة التي تُبين حقوقه وواجباته التي عليه تجعل فترة دراسته فيها اتزان عقلي ونفسي وتحفيزي، ولا يعيش بالجامعة حياة الشقاء والعناء والتأفف التي يُعانيها المقصرون أو الغافلون عن الأنظمة.

وإن من أهم ما ننصح به الطلاب لأجل النجاح والتفوق أن يضع الطالب لنفسه هدفًا يرغب في تحقيقه، فوضوح الهدف من البداية يختصر على الطالب الوقت، ويجنبه الإخفاقات التي يصعب مُعالجتها مع قُرب التخرج كمشكلة رفع المعدل.

ولقد وجدتُ طلابًا في السنة الثالثة والرابعة من دراستهم متميزين جدًّا وحريصين جدًّا واختباراتهم حققوا فيها أعلى الدرجات، مع أن معدلاتهم منخفضة، فلما سألتهم عن السبب قالوا: قصرنا في بداية الأمر ولم نعرف قيمة المعدل أو التلذذ بالفهم والاجتهاد إلا متأخرًا؛ فنحاول نرفع معدلاتنا ونفهم ما ندرسه.

درس عندي طالب في العام ١٤٢٤ للهجرة ما رأيت كمثله فهمًا ومشاركة ومناقشة وتحصيلًا ولما سألته عن سبب انخفاض معدله مع هذا الذكاء الحاد قال: مات أبي واضطررتُ للعمل مع الدراسة لأعول والدتي وأخوتي، وأخذ العمل مني جُل وقتي، فقلت: حري بمثلك ان تكون أستاذًا بالجامعة إن تحسّن معدلك. مرت السنوات وقابلته فعرفني وقد نسيته وأبلغني أنه دكتور في الفيزياء في إحدى الجامعات، وقال: كلماتك التحفيزية (حري بمثلك أن تكون أستاذًا في الجامعة) كانت وقودًا لي وحافزًا لتحقيق هذا الهدف الذي وضعته أمام ناظري منذ سمعت كلماتك.

ما أحوج الطالب للتحفيز والإشادة والتوجيه الحسن! وكم طالب أثرت فيه كلمات أستاذه، وغيَّرت من أسلوب حياته، وحوّلته من طالب خمول كسول.. مُحطم حائر تائه مُقصر إلى طالب مُبدع مُنجز مُجتهد متفوق.

يغفل بعض من الأساتذة عن جانب التحفيز؛ خاصة إذا وجد طلابًا مستواهم متدنٍ، فإنه بدل أن يمد يديه لينتشلهم من مستنقع الإخفاقات، تجده يُحبط ويقل عطاؤه؛ لأنه يرى أن لا أثر لحماسه وبذله، ومع أن التأثير السلبي على الأستاذ بسبب كسل الطلاب أمر وارد إلا أن الأستاذ المتميز هو من يبحث عن أسباب تدني المستوى ويُعالجه ويصبر ويحتسب، فإن كان تقصيرًا في التدريب زاد من تدريبهم، وإن كان تقصيرًا في إفهامهم بذل قصارى جهده لإفهامهم بالتكرار وتغيير الأسلوب وكثرة الأمثلة، وتحفيزهم على المذاكرة بعمل اختبارات قصيرة مثلًا في كل وحدة ينتهي منها لتعطيه مؤشرًا لمدى فهم الطلاب وجوانب الضعف.

للحديث بقية عن تحفيز طُلابنا…

أ.د. عمر بن عبدالله الهزازي

أستاذ الكيمياء بجامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى