لا نكاد نكف الحديث عن رؤية المملكة وعن جدواها الاقتصادية وتبعاتها لناتج الاقتصاد المحلي؛ فقد ساهمت الرؤية بشكل مباشر وفاعل في توطين رؤوس الأموال، وخلقت بيئة مناسبة لجذب الاستثمار الأجنبي؛ ولهذا سوف تتجاوز تبعاتها إلى العالمية، وسوف تتبوأ المملكة مركزًا عالميًا يربط بين ثلاث قارات وفقًا لهذه الرؤية الطموحة، إلى غير ذلك من التنامي الاقتصادي وتنوعه مما لسنا بصدده الآن، فالرؤية وضعت أطرًا عامة منظمة لكل مناحي الحياة، وأولت جانبًا من الاهتمام لأنسنة الأحياء والملامح البصرية في الواجهات العامة التي يفترض أن تأخذك إلى أبعاد ملحوظة نحو وعي الناس والمؤسسات والقطاعات الخاصة والعامة، وزيادة الحس الثقافي والذائقة الجمالية، ويُقابل ذلك تنامي الشعور عند المجتمع إلى أقصى حالات الارتياح والانشراح والسرور التي تتبدى في وجوه عموم المجتمع نحو كل الواجهات والطرقات عند ذلك يتحقق مفهوم الأنسنة، فأهداف الرؤية تتكامل مع مفهوم جماليات المحافظات وأنسنة الحياة فيها، هذا من جانب، ومن جانب آخر فهي تسعى لتحقيق التنوع في الاستثمار والتوسع في الازدهار، وهذا هو من أهم أهدافها؛ لأن تبعاتها الاقتصادية بالضرورة ستفضي إلى نتائج إيجابية سترفع سقف الوجه المشرق والحضاري للمدن الأمر الذي سيتلاشى معه ملامح التشوه البصري، ولهذا صاغت الجهات المنظمة الأنظمة وسَنّة القوانين التي تكفل زيادة حجم التوسع الأفقي على أن يتجاوز مركز المحافظات إلى الأطراف وبوتيرة متتابعة ومنتظمة تتواكب مع وقع إيقاع الحياة فيها، تبعًا لمعطيات الجغرافيا والتاريخ، وتتناغم مع ظروف كل بقعة جغرافية لكي تستغل بشكل أمثل، وهذا ما نحن بصدده في هذه المقالة.
إن الجهات المنظرة وواضعي الأنظمة ساهموا بكل الممكنات بعد أن وضعوا الركائز والمنطلقات لإيصال مفاهيم كلية للتنمية عبر مرحلة التحول مع توجيه محفز ودعم مادي ومعنوي مندرج في إطار الرؤية، وذلك سعيًا منهم لاستغلال كل الجوانب الأثرية والتاريخية والسياحية، وفعّلت الأدوار التي من شأنها تحقق زيادة النمو والاستثمار الأمر الذي ستتحول الفرص السياحية في كل أرجاء الوطن إلى مكاسب وطنية يستفاد منها بشكل مباشر وغير مباشر؛ لأن استغلال كل الأماكن السياحية الريفية والأثرية والتاريخية في أطراف المدن هي بالضرورة تمكين لنهضة اقتصادية مستدامة، وحتمًا ستُساهم بشكل مباشر في الهجرة العكسية، وهذا سوف يترتب عليه زيادة في الاقتصاد ووظائف الشغل والتنمية المستدامة بما يتوافق مع المكان ويتناسب مع تكافؤ الفرص بين محافظات المركز والمتواليات من الأطراف خارج مدن المركز، وعلى خط جماليات وسط المدن يقع العبء من وجهة نظري على الأمانات كونها تتعامل مع واقع معاش، وهذا ما هو ملموس أما البلديات والمراكز الخدمية؛ فيقع عليها مسئولية متواليات الأطراف على أن تتعامل مع الملفات من واقع الحياة؛ لأنها تعمل ضمن واقع مختلف في الأطراف يختلف تمامًا عن مدن المركز، في المقابل يفترض أن تراعي الوزارة والأمانات الطبيعة الجغرافية وتغيرات الطقس وتبعاته لكل منطقة؛ فلا يمكن أن تكون مدينة في الشمال مشابهة لمدينة أخرى في الجنوب أو الجنوب الغربي؛ وذلك من حيث أحوال الطقس وطبيعة الجغرافيا، فعلى سبيل المثال ظاهرة الضباب في المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية تصل إلى حد الإعتام وانعدام الرؤية، مع أن مدلولات الطريق وكتفي المسارات والإضاءة وعيون القطط على جانبي الطريق واللوحات الإرشادية تتوافق مع كل المدن في المملكة، ولم يرعَ في ذلك ظواهر الطبيعة وأحوال الطقس وعلى ذلك يُقاس في كل ما هو متوافق ومختلف، صحيح أن البلديات ملزومة بخطط الوزارة وتوجيهات الأمانات، ولكن يفترض أن تقترح البدائل وتقدم الإحصاءات وترصد النتائج البائنة بين الفصول في الاقتصاد وتبعات التنمية والزمن المهدر الذي يمكن استغلاله طوال السنة في تفعيل التنمية والاستثمار، ويتم إعداد التقارير والملاحظات مع اشتراك المكاتب الإستراتيجية في وضع الحلول والبدائل وطرح الرؤى والأفكار غير التقليدية؛ ليتم من خلالها تنوير صانع القرار بواقع الحال ولكي يتم التعامل مع الواقع بمزيد من المرونة والفسحة في الأنظمة، ومن ثم وضع الحلول والبدائل بما سيُساعد على استمرار التنمية وازدهارها بشكل أفقي ومحققة لأهداف الرؤية؛ لأن التقارير التي تقدم بوضوح مع المزيد من الشفافية سيتضح واقع الأمر الذي يمكن من خلاله استجلاء الأمور والمقارنة؛ لتكون النتائج أفضل من سابقتها وعندها يكون المسئول قد أدرك تمامًا الواقع المختلف في مدن المركز عن واقع حقيقة الأطراف.
جماع القول.. إن جوانب التنمية كثيرة، ويمكن أن تتسع تبعًا لعطاءات الجهود المبذولة والأفكار الجديدة والإبداعية، والتي تتوافق مع مرونة إيجابية للتعامل مع الواقع، وهذا هو الذي سوف يُعيد للمحافظات الصغيرة في الأطراف وهجها الاقتصادي والتنموي، وتتمكن من النمو المتسارع والسلس دون أن تمر بأي حالة ركود طوال العام.
وإلى لقاء
– ماجستير في الأدب والنقد