كتاب ممتع بعنوان “الناطق الأخرس” لمؤلفه الأستاذ “فهد بن عسكر”، يمكن إدراجه تحت مُسمى كتب “فقه القراءة”.
يستهل المؤلف مقدمته بإكسير الخلود! القراءة! أعظم مُتعة في الحياة! ويستشهد بقول الطنطاوي: “لقد جربت اللذائذ كلها، فما وجدت أمتع من الخلوة بكتاب”!
يُثير المؤلف قضايا، منها: أيهما ينتصر في المواجهة الكتاب الورقي أو الإلكتروني؟ هناك كتاب قادر أن يُغير حياة إنسان؟ هل تثق كقارئ بكل من يعطيك نصائحه عن الكتب التي عليك قراءتها؟ هل ممكن أن يحدث الكتاب فسادًا في عقول قارئيه؟ هل أنت الذي تختار الكتاب أم أن الكتاب يختارك؟ هل هناك كتب صعبة القراءة؟ هل أنت مع ضرورة إعادة القراءة لكتاب معين؟ ما مدى ميزانيتك لشراء الكتب؟
تكلم المؤلف عن سرقة الكتب! واستعرض حوادث اللصوص المثقفين، ورأي الفقهاء في إقامة الحد على السارق.
عن استعارة الكتب استشهد بقاعدة ابن الجوزي: “ينبغي لمن ملك كتابًا أن لا يبخل بإعارته لمن هو أهله”.
استعرض كثيرًا من الطرف لكثير من الأدباء مع الإعارة، ذكر أن “ابن الخشاب” استعار من أحدٍ كتابًا وطالبه به، فقال له: “دخل بين الكتب فلا أقدر عليه”!!!
في فصل آخر يتحدث عن هتلر ولينين وستالين، وأنهم من عشاق المكتبات! والكتب التي كان يقرؤها هؤلاء، وكيف تصنع القراءة ما لا يصنعه غيرها! وكيف كان تجار العبيد والرقيق يقتلون من العبيد الذين أُدينوا بالجرم المشهود: جرم القراءة! ويستعرض مجرم الحرب الصربي “سلوبودان ميلو فيتش” الذي دمر المكتبة الوطنية للبوسنة والهرسك عام (١٩٩٢م) لمحو حضارة وثقافة البلد!
يبحث في فصل ظريف عادات القُرّاء وطبائعهم: المكان المحبذ للقراءة: هادئٌ أم صاخب؟ كيف تكتب التعليقات داخل الكتاب؟ وبعض القراء يسيء في الحواشي! وآخر يمسح مخاط أنفه بالكتب التي لا تليق له! وآخر ينزع الأوراق التي لا تعجبه من الكتاب! وآخر يقرأ في الحمام! وآخر يقرأ واقفًا أو على أريكة! البعض يرى القداسة في الكلمات فقط، وآخرون قمة في الرقة مع كل كتاب! وكيف تحنو على الكتاب وترفق به وكيف تسحبه من بين إخوانه لكي لا تؤثر على كعب الكتاب، لو كسرت كعبَ كتاب؛ فكأنك كسرت العمود الفقري لأحد محبي الكتب!!
في فصل مؤلم يتحدث عن كتب السجون! يستعرض كيف كان الكتاب ملاذًا للمسجونين، يذكر الوصف الرائع لأحد المفكرين المسجونين لحاله حينما جاءه كتابٌ.
ويستعرض الفوضى الخلاقة التي يعيشها الأدباء في معابد فكرهم: المكتبات! من مكتبة أحمد شوقي، إلى مكتبة العقاد، والمازني، والرافعي، وزكي مبارك، وشيخ العربية محمود شاكر؛ حيث يكون للناس مكتبة في بيت أما عند هؤلاء فالبيت في مكتبة!
ذكّر المؤلف بأهمية التجارب في الحياة، وحذر من غرور القارئ الذي يظن أنه امتلك الحقيقة! وأن القراءة لا تغني عن التفكير! بل المفروض أنها تُنمي ملكة التفكير! إيّاك أن تقنع بكل ما تقرأ بلا تفكير وتمحيص!
أستشهد بوصف د. طه حسين للقراءة بأنها “زاد الشعب”، وأن الحث عليها هو خير ما يُوجه إلى الأفراد، وبما قالته المؤرخة “باربرا توشمان” أمام مكتبة الكونغرس عام (1980م)، والتي أطلقت وصفًا للكتب، بأنها “مُحركات التغيير”.
قال أحد الأدباء:” القراءة تنمِّي الفرد، والفرد ينمّي المجتمع، ولن تكون تنمية بغير قراءة، والفرد الذي لا يقرأ يوقف التيار الفكري الذي يربطه بالعالم، ويحكم على نفسه بالعزلة، وعلى عقله بالجمود، وعلى ملكاته بالتحجر”.