يترقب الأبوان ولادة ابنهما بفارغ الصبر، ويكون يوم ولادته يوم فرح وسرور للوالدين والأقربين، وما سمع أحد من الناس بخبر ولادته إلا جاؤوهم فرحين مستبشرين داعين مقبلين معانقين.
هذه الفرحة الشديدة بهذه النعمة العظيمة التي حرم منها خلق كثير، وبذلوا من أجلها الغالي والنفيس تقتضي معاملة هذا الطفل معاملة خاصة تجعله ينشأ سويًا في عقله وبدنه ونفسيته، وليكون نعمة على والديه في حياتهما وبعد مماتهما.
ومن الأمور التي يحرص الأبوان عليها أن يكون ابنهما مطيعًا خلوقًا ذكيًا ذا شخصية قوية، وهذه الخصائص يُساهم الأبوان فيهما بقدر كبير؛ خاصة في سنواته السبع الأولى؛ فهي أخطر سنوات عمر الطفل التي فيها تغرس الفضائل والمهارات، وبعدها يُنميها وينطلق على أساسها ويضيف إليها.
وحتى ينشأ طفلك متزنًا قوي الشخصية خلوقًا:
– احرص أن تكون أنت القدوة له، فلا تأمره بأمر وأنت تخالفه، فلا تأمره بالصدق وأنت تكذب، ولا تأمره بحسن الخلق وأنت تضرب أمه وتهينها وتؤذي جيرانك، ولا تأمره بالاجتهاد في الدراسة وأنت عنه لاهٍ غافل لا تُتابعه في دراسته. الطفل في سن مبكرة يتعلم بالقدوة ما لا يتعلمه بـ”افعل ولا تفعل”.
– احرص على غرس فضائل الأعمال فيه من الصغر؛ فإنها كالنقش في الحجر، حتى لو انحرف عنها مستقبلًا بسبب رفاق السوء؛ فإنه يعود إليها لأنها صارت فطرة فيه.
– تجنب ضربه وإهانته والتحقير من شأنه سواء كان منفردًا أو أمام الناس وأشده ضررًا ما كان أمام الناس، إهانته وتحقيره يجعل قلبه منكسرًا كارهًا حاقدًا نافرًا.
– تجنب تحقيق كل رغباته فينشأ مدللًا بزيادة، بل عوده على قول “لا” لرغباته في بعض الأحيان لتجعل عنده توازنًا وتقديرًا للمواضع التي يُقال فيها “لا”؛ لأنك لو دللته كثيرًا واضطررت إلى قول “لا” غدًا فإنه سيزيد ويرعد ويبكي ويصرخ، وربما يغلق على نفسه الغرفة وتذرف عيناه بالدمع. قول “لا” تغرس فيه التوازن وتجنبه هذا الضعف الذي يحل به أعني البكاء والانهيار والعُزلة وسيتقبل الواقع، وفي نفس الوقت لا تقل له لا دائمًا فينشأ محرومًا كارهًا لك متطلعًا إلى ما في أيدي الآخرين، ويرجو في نفسه لو أن أبا فلان هو أبوه.
– تجنب الخوف الزائد عليه لدرجة أنك لا تثق في تحمله لأي مسؤولية، فينشأ ضعيفًا متكلًا على أبويه أو الناس. بل أعطه الثقة وأغدق عليه كلمات تسعده مثل: أنا واثق فيك، أنا أفتخر بك أمام الناس، أنت تقوم بأعمال لا يقوم به إلا الأبطال، أنت عبقري، أنا أتعلم منك كل يوم، أنت أعظم نعمة في حياتي…أغدق عليه هذه الكلمات وغيرها بعد كل عمل ينجزه ويحسنه. كل هذه الكلمات ستُشعره بالأمان والحب الشديد لك وطاعتك، وستزيد من اعتماده على نفسه ومفاجآتك بإنجازاته.
– تجنب التركيز على نقاط ضعفه دائمًا وإهمال نقاط قوته، فالتركيز على نقاط الضعف سيحطمه ويؤذي نفسه ويجعله مهزوزًا غير واثق في نفسه، بل احرص على نقاط قوته ونمِّها وستجد أن نقاط ضعفه بدأت تتلاشى، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يركز على نقاط القوة في أصحابه وهم كبار فيبرزها ويذكرها فذاك يصفه بسيف الله المسلول، وذاك يصفه بالأعلم بالحلال والحرام، وذلك بالأقرأ لكتاب الله، وذلك بالأفقه وذلك بالرجل الصالح لو أنه يقوم الليل فكان بذلك الثناء ثم ذكر موطن الضعف صار لا يترك قيام الليل حتى وهو بالثمانين من عمره. إن للكلمة أثرًا في النفوس. ولما قال شيخ الذهبي -رحمه الله- للذهبي: إن خطك يشبه خط المحدثين، قال الذهبي: وقع كلام شيخي بقلبي وحبب إلي الحديث. نعم يا سادة كلمة قد ترشد إنسانًا للطريق وأخرى قد تحطمه. فاحرص أن لا تحطم ابنك وتكرر على مسامعه نقاط ضعفه مثل: أنت كسول، أنت مهمل، أنت سيئ الخلق، أنت عاصٍ وعنيد.
– تجنب مقارنته بالآخرين خاصة أخوته؛ فينشأ كارهًا لهم وربما يبقى كُرهه أبد الدهر.
– احرص على استثمار مهاراته وتقويتها والإشادة بها؛ فالطفل يحتاج من يوجهه ويبرز له نقاط قوته ويعينه على استثمارها وصقلها.
– احرص دائمًا على تخييره في الأمور فلا تفرض عليه أمرًا لينفذه، بل خيره بين أمرين أو ثلاثة أو أكثر مثلًا تريده يمارس الرياضة بسبب سمنته فلا تفرض عليه المشي بل قل له: إيش رأيك تمشي أو تسبح أو تلعب كرة قدم، وإذا أردته يأكل طعامًا بعينه فقل له: إيش رأيك تأكل بيض أم فول أم لحم أم دجاج، وهكذا اجعل مبدأ التخيير دائمًا حاضرًا لتجد الاستجابة منه لأمر ينفعه. فرض أمر بعينه قد يجعل الطفل يقول: لا.
– دائمًا أسمع ابنك كلمات تجعله سعيدًا؛ فيحبك ويطيعك ويسعى أن يكون عند حسن ظنك دائمًا: مثل: أنت أعظم نعمة منحني الله إياها، أنت حينما تبتسم أشعر بأن الدنيا كلها تبتسم، أنت مصدر فخري دائمًا، أتعلم منك، أثق فيك، أحبك جدًّا، أنت مبدع، أنت قوي، أنت عظيم، أنت لك مستقبل شامخ عظيم -إن شاء الله-.
للحديث بقية عن تنشئة أبنائنا نشأة صالحة…