المقالات

وسادة الظالم وكفُّ المظلوم

قَصَمَ الظُّهور، وغيَّبَ السُّرور، ثم وضع رأسهُ على وسادتهِ لينام ملء جفنيهِ، متناسيًا خصمَهُ المقهور.
وفي الجانب الآخر كفٌّ مرفوعة، ونفسٌ موجوعة، وضحيَّةٌ يكفكف دموعه، ودعوةٌ عند الله مسموعه.
نعم، مجرمٌ وضحية، وجريمةٌ من غير دماء؛ ظالمٌ ومظلوم، والحاكم في القضية مَلِكُ السماء؛ فأبشروا بالعدل والإنصاف أيها الضُّعفاء.
ضحايا الظُّلم لا يحصيها عدد، ولربما لم يسلم من وطأتِهِ أحد: طالبٌ ظلمه أستاذٌ لا يعرف العدل والإنصاف، لم يعطه حقَّهُ من التعليم، ثم صنَّفهُ من فئة الضِّعاف، ولو قلَّبتَ في سيرةِ ذلك المعلِّم لوجدتهُ غير كفءٍ لرسالته؛ غيابٌ، قِلَّة عِلْمٍ، حضورٌ كالعدم، بل هو رمزٌ من رموز الاستخفاف. ارفع يديك يابُنيَّ إلى السماء.
موظَّفٌ ظلمه مديره في تقدير الأداء، ربَّما لأنه أَمْيزُ منه فناصبه العِدَاء، أو ربما تسلُّطًا، وذاك أعظم البلاء، أو ربما السبب مجرَّدُ حرمانه من الميزات والرُّتب. ارفع يديك ياصديقي إلى السماء.
أبٌ وأمٌ حُرما البرَّ والإحسان، وحَبَسَهُما العقوق في قفص النسيان. زوجٌ يقاسي التَّنكُرَ ويكابدُ الجحود، وزوجةٌ تجاوز زوجها في إهانتها كل الحدود. أقاربُ تقطَّعَ بينهم الوِصال، وتحوَّلت الرَّحِمُ إلى أشلاءٍ وأوصال، أيتامٌ يغفو يُتْمُهُم على الزَّجْرِ والنَّهْر، ويُفيقُ على الإذلال والقهر. موظَّفٌ كسولٌ يعطِّل المراجع، ويزيد عليه الآلام والمواجِع. طبيبٌ فاقدٌ للنزَّاهة، يصيب مريضًا بعاهة. تاجرٌ يظفَرُ بالتُخمةِ والشَّبَع، ويرفعُ على المستهلِكِ المسكين أثمان السِّلَع. مسكينٌ لا حول له ولا قوة يُسْلَبُ الحقُّ منه عنوة. قاضٍ أعماه مال؛ فوقف في صفِّ ظالمٍ ومال… وليت شعري ماذا أعدَّ كل واحدٍ من أولئك للعرضِ والسؤال!
لقد طاف بالبشر الجَشَع، وجال في نفوسهم الطَّمع، واستلذوا الظُّلم حتى أظلمت نفوسهم، وشربوا ثُمَالَةَ كؤوسه حتى طاشت عقولهم؛ فغاب عنهم قول الله تعالى: (يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا…).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى