الباحة – يعتبر العميد الركن المتقاعد عبدالله سعود سحبان الزهراني، قائد مجموعة الشرطة العسكرية الخاصة بالمنطقة الجنوبية، أحد أبرز القيادات العسكرية، والذي قادته الظروف ليسطر تلك المسيرة التي امتدت لثلاثة عقود في خدمة الوطن.
كان حلمه العمل بالهندسة أو اللغة العربية لغة القرآن الكريم، إلا أن الأقدار قادته إلى السلك العسكري دون سابق تفكير أو رغبة، وكان هذا من حسن حظه أن التحق بإحدى الكليات العسكرية ليتخرج برتبة ملازم وينضم إلى زملائه في ميادين العز والشرف، خادما لدينه وقيادته، مدافعًا عن حدود وطنه.
عمل العميد الركن عبدالله سعود الزهراني في العديد من المناطق، وحصل على العديد من الدورات، حتى نال ثقة ولاة أمره ورؤسائه لينال شرف قيادة مجموعة الشرطة العسكرية الخاصة بالمنطقة الجنوبية، لتكون آخر محطات عمله العسكري.
وحرصت صحيفة “مكة” الإلكترونية على أن يكون ضيفا في الحلقة الثالثة عشر من سلسلة “مواقف ومذكرات أمنية”، فكان هذا اللقاء:
• عرف القراء بنفسك وتحدثنا عن نشأتك وطفولتك؟
عبدالله بن سعود بن سحبان الخزمري الزهراني، ولدت في قرية الفهيدة إحدى قرى وادي اٌشحط بتهامة زهران، نشأت وترعرعت في قرية الدركة التابعة لمحافظة المندق.
• أين تلقيت تعليمك في جميع مراحلك الدراسية؟ درست التعليم العام ابتدائي ومتوسط وثانوي في مدرسة بالخزمر.
• لماذا اتجهت للسلك العسكري دون غيره من الأعمال؟
الحقيقة أنني كنت أرغب في دراسة الهندسة أو اللغة العربية، ولكن الله أراد لي أن التحق بكلية الملك عبدالعزيز الحربية وأنال شرف الخدمة العسكرية، وهذا من حسن حظي.
• أين قضيت خدمتك العسكرية من بعد تخرجك من الكلية حتى تقاعدك؟
تعينت في كتيبة الشرطة العسكرية بالمدينة المنورة، ثم نقلت إلى كتيبة الشرطة العسكرية بالطائف، ثم معلم بمعهد الشرطة العسكرية، ثم نقلت إلى مجموعة الشرطة العسكرية بالشرقية، وبعدها مجموعة الشرطة العسكرية بالغربية، وأخيرا مجموعة الشرطة العسكرية بالجنوبية، وحصلت على العديد من الدورات، أهمها المظلات والصاعقة ومكافحة الإرهاب ودورة القيادة والأركان، بخلاف دورات أخرى.
• قضيت آخر سنوات عملك قائداً لمجموعة الشرطة العسكرية بالمنطقة الجنوبية.. ماذا تعني لك هذه الفترة؟
هذه الفترة تعتبر أهم فترات عملي، حيث وصلت للمنصب القيادي الذي كنت اتطلع للوصول له، وحاولت قدر الإمكان أن أطبق تجربة التعامل مع المرؤسين بالطيبة والأخوة، الباب المفتوح والجوال المفتوح وإعطاء كل ذي حق حقه دون الإخلال بالنظام، ولله الحمد كانت نتائج التجربة كما توقعت مرضية لي على المستوى العملي، فقد كان فريق العمل الذي أعمل معه يقومون بجميع مهامهم وواجباتهم بكل اجتهاد، حتى في حال تمتعي بإجازاتي، ولا أنكر وجود قلة لا تذكر يعتبرونها ضعف ويحاول استغلال هذه التجربة بشكل خاطئ، ومع ذلك لم تكن مرضية على المستوى الشخصي، فالبعض كان يرى أنها طيبة زائدة لا مبرر لها.
• عايشت أحداث عاصفة الصحراء ثم عاصفة الحزم وإعادة الأمل.. كيف رأيت هذه الأحداث من خلال طبيعة عملك كأحد ضباط القوات المسلحة؟ وماذا استفدت منها؟
الحمد لله الذي أنعم علي أن أخدم ديني ومليكي ووطني في هذه المرحلة الحساسة، ويكفيني فخرا أنه تم تكليفي بالاسم في مهمة من قبل سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – مع عدد من الضباط، وهذ أكبر ما استفدته أن أنال شرف الدفاع عن وطني وأن أنال شرف تكليفي في مهمة بالاسم من ثاني رجل في الدولة.
• ما أبرز المواقف التي لازالت في الذاكرة خلال عملك كضابط في القوات المسلحة؟
الموقف الذي لا أنساه أثناء التقديم على الكلية، تأخر ملفي في المستشفى العسكري أكثر من أسبوعين وسألت أحد ضباط اللجنة عن سبب عدم إبلاغي بالقبول أو الرفض، فقال إن ملفك لم يرجع من المستشفى راجعهم وشوف المشكلة، فأخبرته أنه ليس لدي سيارة، فقال انتظر وسوف أوصلك، وفعلا وصلني بسيارته وبحثنا عن الملف ووجدناه مقفل عليه في مكتب أحد الأطباء، فسأله الضابط عن سبب عدم إعادة الملف للجنة، قال ناقص فحص القلب، فقال هذا حالته لا تسمح له بالعودة مرة أخرى، فهل تخدمني وتفحص قلبه الآن، فوافق وعمل أشعة تلفزيونية قال قلبك زي قلب الحصان، وختم بختم لائق ووقع الضابط على استلام الملف ورجعنا للجنة، ودخل عليهم ثم خرج لي وقال مبروك تم قبولك.
• ما المهمة أو المسؤولية التي توليتها ولازلت تفتخر بها حتى الآن؟
مثل ما ذكرت لك سابقا، المهمة التي ورد اسمي فيها وكانت بتوقيع سيدي ولي العهد.
• هل تذكر لنا أهم ما سطره رجال القوات المسلحة من مواقف خلال الاشتباكات القتالية مع العدو من خلال ما رأيته كونك أحد القادة العسكريين؟
المواقف كثيرة بذل فيها جنودنا أرواحهم وهي أغلى ما يملكون دفاعا عن دينهم وقيادتهم ووطنهم، ولله الحمد بفضل الله ثم دعم قيادتنا الرشيدة وتضحيات أبطال القوات المسلحة انتصرنا وحمينا حدودنا.
• كيف كنت تجد ذوي الشهداء في لحظة تواجدك بينهم؟
بالتأكيد رأيتم الكثير من مقاطع الفيديو التي تظهر اعتزاز ذوي الشهداء بما قدموه، لدرجة أن بعضهم كانت تستقبله أمه بالزغاريد وكأنه في حفل زواج أو تخرج.
• لا تخلو مثل هذه اللحظات من المواقف المؤثرة.. ما هو الموقف الذي لازال عالقاً في أذهان العميد عبدالله؟
هناك موقف أخبرني أحد الزملاء أنه حضر عزاء وعندما هموا بالمغادرة حلف عليهم والد الشهيد ما يروحون إلا بعد الغداء، وفعلاً بقوا معهم وكان المجلس كأنه ضيافة وليس عزاء، فجميع أهل القرية كانوا يتداولون أحاديث عادية ووالد الشهيد كان يمازح الوفد بعض الأحيان.
• من خلال مسيرتك العملية وفقاً للأنظمة.. هناك من يقول إن العمل يختلف من منطقة لمنطقة هل هذا راجع للأشخاص والتباين في تطبيق النظام؟ لابد أن كل قائد له شخصيته وله سياسته، وهذا بالتأكيد سوف يكون له أثر كبير على معنويات البقية سلبا وإيجابا، ولكن كل الذين عملت تحت قيادتهم لم أرى أي تجاوز للنظام، وهذا موجود في المدنية والعسكرية.
• هل سبق ونلت شرف المشاركة في مهمة الحج؟
للأسف لم يسبق لي المشاركة في مهمة الحج كمنظم، ولكنني حججت في مخيمات وزارة الدفاع وكنت أشاهد جهود منسوبي وزارة الدفاع الذين يقومون بعمل جبار في خدمة ضيوف الرحمن مع بقية وزارات الدولة التي تسخرها قيادة هذه البلاد لحماية وتنظيم وخدمة أكبر تجمع في العالم ابتغاء وجه الله، وحبا وتقديرا لضيوفه، أما أنا فقد شاركت العديد من المرات في مرافقة وحراسة شخصيات هامة من ضيوف وزارة الدفاع.
• كيف ترى الفرق بين مواسم الحج قديما وما تشهده من تطور في الوقت الحاضر من خدمات وتسهيلات لضيوف الرحمن؟
الفرق كبير جدا والتطور عظيم يشهد به القاصي والداني، وأسأل الله أن يحفظ بلادنا ويديم عزها في ظل سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان.
• كيف ترى من يتعامل مع مرؤوسيه بالغلظة والشدة والدونية؟ ولله الحمد لم يسبق لي أن عملت مع أحد من هذا النوع، والواجب أن نتخذ من رسولنا صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، حيث قال “ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع منه إلا شانه”، ولكن على قول المثل عندنا “هز ولا تكسر”، وعلى قول القائل “لا تكن ليناً فتعصر ولا تكن قاسيًا فتكسر”.
• كيف ترى النقد الإعلامي أو الشخصي الذي يتم من خلاله إصلاح القصور فيما يقدم للوطن والمواطن من خدمات؟
هذا النقد مطلوب وتحث عليه قيادتنا الرشيدة، وتجد في كل وزارة طرق للتواصل وإبداء الملاحظات وهي تعطي ثمارها، وأنت وأمثالك من الإعلاميين عايشتم النتائج الإيجابية لما ترفعونه من ملاحظات ويستقبلها المسؤولين بكل صدر رحب ويسعون على معالجتها.
• ماذا تعلمت من هذه السنوات الطويلة التي قضيتها في المجال العسكري بالقوات المسلحة؟
تعلمت الصبر.
• ماذا تقول لزملائك الأبطال المرابطين على حدود الوطن الذين كنت من ضمنهم مدافعًا عن حدوده وحماية مقدراته؟
أقول لهم أنكم فخر وعز، فلولا فضل الله ثم جهودكم لتمكن العدو من احتلال الأرض وانتهاك العرض، فاصبروا واثبتوا في دفاعكم عن دينكم ومقدساتكم وقيادتكم ووطنكم وأعراضكم، وتجنبوا كل ما يسيء لشرف الخدمة العسكرية.
• بماذا تريد أن تختم هذا اللقاء؟
أشكرك شخصيا على ما تقدمه من خلال ما تكتبه في جميع المجالات، وأخص هنا ما تلقون من ضوء على سيرة من خدموا في المجال العسكري، وفي الختام أسأل الله أن يحفظ لنا ديننا وأمننا ورخاء عيشنا، وأن يحفظ لنا سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وأن يرحم شهدائنا ويشفي المصابين وينصرنا على أعدائنا.