تطوفُ في حاضِرنا عشرات الأعوام الماضية على تأسيس كيانات أرباب الطوائف حتى قاربت بُلوغ الأربعين عامًا تسبقها أعوامًا مديدة تعود لعهد مؤسس الدولة الملك عبــد العزيــــز -طيّب الله ثراه- بأمرهِ السامي رقم (54/1/145) وتاريخ 25/12/1365هـ المتوّج لنظام هيئة الأدلاء بالمدينة المنورة وأمرهُ السامي رقم (14518)، وتاريخ 21/10/1365هـ المتوّج لنظام وكلاء المطوفين ومشايخ الجاوا وأمرهُ السامي رقم (7267) وتاريخ 03/11/1367هــ المتوِّج لنظام المطوفين العام، فإذا بهؤلاء الأرباب تتشكّل لهم مع مرور الزمن كيانات فردية تطوّرت لمؤسسات تجريبية تُنظمها لوائح السلطة التنفيذية إلى أن تحوَّلت لشركات مساهمة مقفلة تُنظمها قوانين السلطة التشريعية، بعد أن جاءت البُشرى من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- إلى أرباب الطوائف محمولة بالمرسوم الملكي رقم (م/111) وتاريخ 17/09/1440هـ متوّجًا نظام مقدمي خدمة حجاج الخارج بما تضمنه في مادته الأولى من استمرارية أرباب الطوائِف (المطوفون – الزمازمة – الوكلاء – الأدلاء) عبر ما يُسمى نظامًا “شركات أرباب الطوائِف” وخضوعها لأحكام نظام الشركات حسب المادة الحادية والعشرين من نظام مقدمي خدمة حجاج الخارج، وبالتالي خضوعها لنظامها الأساسي حسب المواد السادسة والسابعة والثامنة من نظام الشركات، فكانت لهم الفرصة الثمينة للتحوُّل من مؤسسات أفراد إلى شركات مع النقلة النوعية لتصنيف وتطوير خدماتهم المقدمة للحجاج بعد إعادة هيكلة كياناتهم حسب المادة الثانية من النظام ذاته، بل الأهم ها هُنا هو نقل أرباب الطوائِف من الموروث التقليدي إلى المستحدث العصري نحو المنافسة بقطاع الأعمال وتنمية الاقتصاد الوطني بما ينهضُ به من عدالة وتشجيع ومنع الممارسات الاحتكارية، بحسب أن كل شركة من شركات أرباب الطوائِف تُعد في حكم النظام مُنشأة خاضعة للهيئة العامة للمنافسة بوصفها شخصًا اعتباريًا يُمارس نشاطًا اقتصاديًا داخل المملكة (المادة الأولى والثانية والثالثة من نظام المنافسة)، عليه فقد بدأ نظام مقدمي خدمة حجاج الخارج سبيلًا جديدًا لديمومة أرباب الطوائِف وحِفظ رُؤوس أموالهم وتعزيز مركزهم القانوني جيلًا بعد جيل أمام المستقبل وتحدياته، ولكن هل تسير شركات أرباب الطوائِف في حاضِرها دون عائِق ؟!
يُشير الواقع العملي في عدد من مجالس إدارات شركات أرباب الطوائِف إلى فجوة بين فريقين، الأول فريق الحداثيين ورغبته في التزام المفاهيم الحديثة للعمل المؤسسي مثل: الحوكمة والهيكلة والجودة وتعارض المصالح وإدارة المخاطر والرقابة الداخلية، أما الثاني فريق الرجعيين ورغبتهم في إبقاء المفاهيم البائِدة للعمل الرجعي مثل المحاباة والمجاملة والجُزافية والنزعة الشخصية والشِلَّة .. وما أدراك ما الشِلَّة ؟! لن أخوض في وصف سُلوك الشللية؛ فقد سبق في كشفهم صاحب المعالي غازي القصيبي -رحمه الله- قائلًا: “لا شيء يقتل الكفاءة الإدارية مثل تحول أصحاب الشلة إلى زملاء عمل” ، كما لن أخوض في سرد الفوارق بين الفريقين؛ إذ أترك للقارئ الفهيم التنبؤ بنتائج كل فريق على نجاح الشركة وتعظيم قيمتها وتحقيق استدامتها لصالح مساهميها في ظل المنافسة مع كُبرى شركات تقديم الخدمة المستجدة في مجال الحج والمتمرِّسة في قطاع الأعمال عبر ما يُعرف بــــCEO وCOO وCTO، والملتزمة بضرورة فصل الصلاحيات بين الإدارة التنفيذية وبين مجلس الإدارة، لكن أود لفت عناية أرباب الطوائِف إلى ما قضت به المادة (26) من نظام الشركات تجاه عضو مجلس الإدارة في واجبات العناية والولاء والتزاماتها بحدود الصلاحيات وبمصلحة الشركة واستقلال التصويت، وتجنب حالات تعارض المصالح، وكذلك الإفصاح ليتبيَّن من سياق المادة أن ما كان عُرفًا بزمن المؤسسات التجريبية؛ قد يكون فسادًا بزمن الشركات النظامية .. وقطعًا فإن التنمية والفساد نقيضان لا يجتمعان.
أكتبُ للقارئ الفهيم هذه الأسطر والدافع فيها من جانبين .. جانب الممارسة وجانب الملاحظة لذوي الأقلام الـمُـعتلَّة التي تنبري للكتابة في شؤون الشركات سالكين آرائهم الشخصية دون احترام للنصوص القانونية، ليلحظ أرباب الطوائِف الفارق بين حُسن وسوء التدبير في شؤون الشركة؛ وليعلم أعضاء مجلس الإدارة أن في نظام الشركات قواعد قانونية آمرة اِستقرَّت بين نصوصهِ للحفاظ على مصالح الشركة من خلال الحوكمة وتكريس العمل المؤسسي، وهي قواعد آمرة بمعنى لا تقبل الاتفاق بينهم على مخالفتها بشكل ظاهر أو مستتر، كما أنها قواعد آمرة بهدف تعزيز البيئة التنظيمية للشركات ودورها نحو تحفيز قطاع الأعمال ودعم الاستثمار وتنمية الاقتصاد الوطني السعودي، لذلك وُجِبَ القول بأن الإخلال بحوكمة الشركات واقتيادها للأغراض الشخصية يُعد إضرارًا بمصالح الشركة، وبالتالي فهو يعد انتهاكًا يُجازيه نظام الشركات بالعقوبات حسب مواده 260 – 261 – 262 .
أقول لأرباب الطوائِف: اعلموا بأن وزارة الحج والعمرة أنشأت مكتبًا لإدارة التحول الوطني وتنفيذ رؤية السعودية 2030 من خلال برنامج خدمة ضيوف الرحمن، وهو أحد برامج تحقيق الرؤية استنادًا إلى الأمر السامي رقم (44643) وتاريخ 15/09/1437هـ بالموافقة على إنشاء مكتب لإدارة التحول في الوزارات الحكومية المعنية بتنفيذ مبادرات البرنامج ، لاحظوا يا أرباب الطوائِف أن وزارة الحج والعمرة بقدر ما تعتزم الترخيص لشركات تقديم خدمة الحجاج بقدر ما قررت إلغاء لعدد من تراخيص شركات فشلت في ذات المجال وواقع الأمس خير برهان، أقول لأرباب الطوائِف اِجعلوا من شركاتكم رقمًا في معادلة التنمية الوطنية، وادعموها بما يهدفهُ نظام الشركات وكافحوا ما يحظره من تعارض المصالح والتصويت الضار وتغليب المصالح الفردية، فالأفراد راحلون وشركاتكم باقية لكم ولأجيال أرباب الطوائِف القادمين من أصلابكم.
نظام الشركات هو الوسيلة والتنمية هي الغاية سواء كانت لأرباب الطوائِف أو للمجتمع أو حتى للقطاعات الاقتصادية الخاصة أو التي تمتلكها الدولة ولن أذهب بعيدًا للتاريخ لأستشهد بالراحل “لي كوان يو” ودوره المشهود في تنمية سنغافورة الحديثة، بل أدنو قريبًا للحال لأستشهد بقائد رؤية 2030 الأمير محمد بن سلمان وإرادته القوية في تنمية السعودية الحديثة عبر تحديث واستحداث القوانين الواجب احترامها وتطبيقها؛ لتحقيق التنمية الوطنية الشاملة.
ويبقى السؤال .. هل ستعبُـر شركات أرباب الطوائِف نحو المستقبل أم ستُطوى تحت عبارة “البقاء للأفضل”؟ لعل القارئ الفهيم ينتظر معي لنرى الجواب الذي ستكتمل به فصُول الحكاية ..
1
مقال ماتع و من أستاذ فهيم أجزل الشروح و أبان المقاصد للإرتقاء بالمهنة و مواكبة المتغيرات ، شكرا استاذ فواز