لماذا اختار شاعر الحكمة صالح اللخمي صفة الرجل الرشيد في شخصية الإعلامي عبدالله أحمد القافري الزهراني؟
هذا السؤال تداوله من الـ بعض، ومن ضمنهم مجموعة من النخب الثقافية، وحينها أبديت رأيي في الموضوع، ورأيت بأنه أصبح مُواتيًا أن أطرحة كمشاركة ثقافية تُحدد المكانة التي وصل إليها شعر العرضة في طريقة الانتقاء للمفردة التي تُوحي بدلالة متعدية، ومن الجميل كذلك أن أنتهز هذه الفرصة لأعرض جانبًا فكريًا لغويًا يُحدد القدرة لدى شعراء العرضة الجنوبية وتحديدًا الشاعر الكبير صالح اللخمي وقبل أن أبدأ، أود في عجالة أن أشير إلى نقطة مهمة قد يغفل عنها البعض تجاه العرضة الجنوبية؛ فالعرضة الجنوبية ليست حالة احتفالية فقط، بل إنها متعددة الأبعاد فيها انتظام في الحركة والإيقاع حد الانسجام للجمهور، من خلالها نقف على جوهر التراث الحقيقي، كذلك نتعرف على القيمة الحضارية والثقافية، في العرضة قدرة شفاهية عالية وحضور وافر للذاكرة، فيها لحظات إبداع قد تدوم طويلًا وتتداول بين الناس تلك القصائد؛ لتجري بعض أبياتها مجرى المثل، ولا شك أن فيها مناجزة للمعنى ورصانة في القول، إلى غير ذلك من الأبعاد الحماسية ووهج العنفوان اللذين يحققان خروج الناس من أي حالة حزن أو كدر جراء مكابدة الحياة، فيما يتعلق بدور الشاعر في توظيف المفردة؛ فهو لا يخرج عن نظرية النظم التي أتى بها الجرجاني؛ حيث يُشير إلى أن اللفظ وعاء يتشكل فيه المعنى وتتعدى دلالاته بصور مختلفة يدركها المتلقي واللفظة أو المفردة من تأتي أجل معانيها المنبهة في الذهن لأن المفردة لا تكشف معناها الباطن ودلالتها المتعدية إلا في سياقها في النص، ولذا يعتني الشاعر باختيار المفردة التي في واقعها تستبطن كامل شروط المعنى، والقصيدة في مجملها فيض معرفي واتساع لرؤية الشاعر التي ترتهن لخياله الواسع؛ فمن خلال تفتقاته الذهنية التي يستحضرها الشاعر أثناء القصيدة ليوظفها في مكاشفات مختلفة وطنية أو إنسانية أو إجتماعية أو تاريخية وثقافية وغيرها، وفي قصيدة اللخمي التي قالها في محفل كبير كترحيب للأستاذ عبدالله القافري عندما قال:
(مقصدي عبدالله بن أحمد الرجل الرشيد)
هنا تأتي مفردة (الرشيد) في سياقٍ يؤكد المعنى الذي يُوحي بدلالات متعددة؛ فمرحلة الرشد تُعد أعلى مراحل النضج في الإنسان؛ حيث يُمكن أن تكون بعد عمر الأربعين عامًا، وممكن تكون أقل بكثير وسن الرشد ليس له علاقة بالوضع الفسيولوجي للإنسان أو التغيرات التي تطرأ على جسد الرجل؛ فالرشد هنا يؤكد تمام حالة الوعي والإدراك والنضج الاجتماعي التي وصل إليها الإنسان وما مدى ما اكتسبه من التجربة والخبرة في الحياة، وهذا النضج الاجتماعي هو الذي يعنيه الشاعر، وقد أشار القرآن الكريم لهذا المعنى ضمنا (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ) (الأحقاف: 15)، وهي ذروة وعي الإنسان وقوته، وقد بسّط لهذا الملمح الشاعر حالة الترحيب والإشادة بالأستاذ/ عبدالله كرمز من رموز القبيلة بعد أن استدعى أمجاد بيت القافري في إشارة ضمنية للشاعر الكبير صاحب المطولات من القصائد التي تناولت نوعًا من الحكمة وابتهالاته في الورع الزهد الشاعر معيض القافري مع أن الأستاذ عبدالله لم يتكئ على جاه موروث ولا مال مكتسب وسعى من منطلق واقع المسئولية المُحاطة به نحو مجتمعه ووطنه، ومن منطلق عطاء الإنسان الذي يجب أن يكون حيثما وجد، كان هذا المديح مستحقًا وإشادة بمكانها وليس بغريب ذلك، أما الشاعر اللخمي كما عرف عنه يتفاعل مع كل قيمة حضارية وثقافية واجتماعية، ويُجسد صورة متكاملة لكل نمط من أنماط هذا الوجود بوعي الفاطن وحكمة الشاعر.. وإلى لقاء..
عوضة بن على الدوسي
ماجستير في الأدب والنقد
0