المقالات

صناديق التكافل العائلية: بناء جسور الرحمة والتراحم بين أفراد الأسرة

“الأقربون أولى بالمعروف” هو مفهوم إسلامي يُشير إلى أن الأشخاص الذين يحملون علاقة قرابة أو صلة قرابة مع الإنسان هم الأولى بأن يكونوا مستفيدين من الإحسان والمعروف. يستند هذا المفهوم إلى تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية التي تشجع على مساعدة الأقارب والأسرة والمجتمع بشكل عام.
تحظى فكرة “الأقربون أولى بالمعروف” بتأكيد واضح في القرآن الكريم. يقول الله تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) (الإسراء: 23) يقول الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ) (البقرة: 83).
يشدد القرآن الكريم على أن تكون المساعدة والمعروف للأقرباء من الأولويات؛ وذلك لأن الأقرباء هم الذين يحتاجون إلى دعمنا ورعايتنا بشكل أكبر، وبالمثل يُشجع الإسلام على التكافل العائلي؛ حيث يتم توفير صناديق التكافل العائلية لتلبية احتياجات الأسرة، ودعمها في الأوقات التي تكون فيها في حاجة.
تعمل صناديق التكافل العائلية على تقديم الدعم المالي للأسر في حالات الحاجة مثل: الوفاة أو العجز أو البطالة أو الأمراض الخطيرة. تعتمد هذه الصناديق على مبدأ التبرعات والمساهمات الشهرية من أفراد الأسرة المشتركين في الصندوق، ويتم تنظيمها وتسجيلها وترخيصها ومتابعة أدائها عن طريق وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية.
إن تطبيق مفهوم “الأقربون أولى بالمعروف” من خلال صناديق التكافل العائلية يبرز روعة التكافل الاجتماعي في المجتمع. فهذه الصناديق تعمل على تعزيز التضامن والتكافل بين أفراد الأسرة وتعزيز الروابط العائلية؛ حيث توفر هذه الصناديق إمكانية مساعدة أفراد الأسرة المحتاجين في الأوقات العصيبة، وتقديم الدعم المالي والمعنوي الذي يحتاجون إليه.
وتتميز صناديق التكافل العائلية بعدة جوانب إيجابية.
أولًا: تعزز روح المسؤولية المشتركة بين أفراد الأسرة؛ حيث يتعاونون سويًا لتحقيق الاستقرار المالي والاجتماعي للجميع.
ثانيًا: تُساهم في تعزيز العدل والمساواة في التوزيع؛ حيث يتم توزيع المساعدات والدعم بناءً على الحاجة الفعلية للأفراد.
علاوة على ذلك تعزز صناديق التكافل العائلية الروابط الاجتماعية وتعزيز التكافل والتعاون بين الأسر. فعندما يشعر الأفراد بأنهم مدعومون ومحاطون برعاية الأسرة يتعزز لديهم الشعور بالانتماء والتضامن، وتتحسن العلاقات العائلية.

ومن الفوائد الاجتماعية الأخرى لصناديق التكافل العائلية ما يلي:
1. تعزيز التضامن الاجتماعي: صناديق التكافل العائلية تعزز التواصل والتفاعل بين أفراد الأسرة والمجتمع، وتشجع على تبادل المعروف والمساعدة المتبادلة مما يُعزز الروابط الاجتماعية، ويعمل على بناء مجتمع تعاوني قوي.
2. تعزيز الاستقلالية المالية: عندما يشترك أفراد الأسرة في صندوق التكافل العائلي؛ فإنهم يعملون على توفير مصدر مالي مستقل للأسرة. يمكن أن تكون هذه الأموال مفيدة في مواجهة الأزمات المالية أو تحقيق الأهداف المالية الأخرى.
3. تعزيز الأمان المالي: صناديق التكافل العائلية توفر حماية مالية للأسرة في حالات الطوارئ أو الأحداث غير المتوقعة. توفر الدعم المالي للأسرة في حالة الوفاة أو العجز أو البطالة أو الأمراض الخطيرة مما يُقلل من الضغوط المالية، ويزيد من الأمان والاستقرار.
4. تعزيز الوعي المالي: من خلال المشاركة في صناديق التكافل العائلية يتعلم أفراد الأسرة مهارات إدارة المال والتخطيط المالي. يتعلمون كيفية الادخار والاستثمار والتعامل مع الأمور المالية بشكل عام، مما يُساعدهم على تحسين وضبط أوضاعهم المالية الشخصية.
5. تعزيز الشعور بالمسؤولية والانتماء: عندما يشترك الأفراد في صندوق التكافل العائلي يشعرون بالمسؤولية تجاه بعضهم البعض وتجاه المجتمع بشكل عام. يتعلمون قيمة العطاء والمشاركة والتضحية من أجل الآخرين، وبالتالي يتشكّل لديهم شعور بالانتماء الاجتماعي والمجتمعي.
6. تعزيز الثقة والتعاون: صناديق التكافل العائلية تعمل على تعزيز الثقة والتعاون بين الأفراد. عندما يعرف الأفراد أنهم مدعومون ومحاطون برعاية الأسرة؛ فذلك يزيد من الثقة بينهم ويعزز التعاون فيما بينهم.
فصناديق التكافل العائلية تُعزز الروابط الاجتماعية، وتعزز الاستقلالية المالية، وتوفر الأمان المالي والشعور بالانتماء والمسؤولية. كما تُساعد على تعزيز الوعي المالي وتعليم مهارات إدارة المال؛ بالإضافة إلى تعزيز الثقة والتعاون بين أفراد الأسرة.
وعطفًا على ما تم الاطلاع عليه على بعض الصناديق العائلية القائمة بوطننا الحبيب وما وفرتها من ترابط وتماسك بين أفراد العائلة يتضح أن تطبيق مفهوم “الأقربون أولى بالمعروف” وصناديق التكافل العائلية يُعد تجسيدًا عمليًا لتعاليم الإسلام وقيمه الإنسانية. إنها آلية فعالة لتعزيز الرحمة والتراحم والعطف والتكافل في المجتمع، وتؤكد على أهمية رعاية الأسرة والأقارب، وتقديم المساعدة لهم في الأوقات الصعبة. وعلى الصعيد الشخصي والاجتماعي يعود الالتزام بهذه القيم على الفرد والمجتمع بالفائدة والتنمية والتقدم الشامل. فى هذه المقالة وددت التعريج على تعميم هذا المفهوم وتعزيزه في مجتمعاتنا لدعم فكرة إنشاء صناديق التكافل العائلية وتطويرها لتلبية احتياجات الأسر والمجتمعات بشكل أفضل. إن التكافل الاجتماعي والرعاية المتبادلة بين الأفراد هما أساس بناء مجتمع قوي ومزدهـر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى