مابين حلول الموت ومابين ثناياه يحل الحزن على القلب ومن قسوة مراراته تذرف مقلة العين دموعها رحمة بأنفسنا..وهي دموع المحبة على كل ظرف شديد لا نحتمل تفاصيله ومن يتحمل ألم تفاصيل هادم اللذات، وتدمع عيوننا على كل فاجعة ترهق عميق دواخلنا، وعلى كل لوعة من جراء من فقدناهم فجأة في حياتنا، وعلى كل أحباب لم نعد نسمع أصواتهم حتّى الأبد، وعلى كل أعزاء لم نعد نستطع رؤية صورهم حاضرة أمامنا بعد الرحيل، وغدونا نتحسس فقط أثر خطاهم، وصرنا نسترجع ضحكاتهم وبسماتهم، وأمسينا نتذكر مختلف أماكن سابق تواجدهم، ومداركنا تحدثنا عبر أعماقنا وكأنها تقول: أين هم وقد ساروا من هنا يوماً، وأين هم وقد رجعوا من هناك يوماً، ومابين هنا وهناك حلوا وارتحلوا ومكثوا وصاموا وقاموا وسجدوا ووضعوا جباههم لخالقهم في كل وقت وحين، فإلى المقام ماقبل الأخير قد مضوا ونزلوا. ومما نستيقنه أن كل فقد يؤلم في حنايا الروح، ويؤلم في دواخل النفس، ويؤلم في أعماق القلب ولكن هي سنة الحياة فما من بداية إلا لها نهاية، وكل مصيبة تبدأ صغيرة إلا الموت يبدأ كبيراً وينتهي عند آخر حدود الصبر، ولذلك الصبر عند الصدمة الأولى.. وعند الوهلة الأولى فإنا لله وإنا إليه راجعون.
والموت في حقيقته ليس منه مفر فقد غيب الكثير من الأقارب والأصدقاء والمحبين ومازال. وهنا تحديداً فقدنا جميعاً الوالد الفاضل وصل بن مسلم الرحيلي _ يرحمه الله_ وإن كانت مشاعرنا وأحاسيسنا لا تحتمل كل الألم وكل الوجع وكل الكدر لهذا الرحيل العاجل فكيف بمشاعر من هم أقرب منا له فهذا حفيده والذي أحبه وعشقه منذ أول إدراكه في هذه الدنيا ولعل من أخلص ما قيل عن الراحل من حديث حزين ومن القلب للقلب حيث يقول الملازم يزيد بن أحمد المطرفي في وصف جدّه الراحل وبصدق: “عندما أفكر في الشخص الذي يلهمني أعود إلى جدي.. جدي وصل بن مسلم الرحيلي طيب الذكر، حسن الخلق، القائم العابد، الرحيم وطيب القلب، من كان يسابق للصلاة في المسجد، من علمني أن الذي يحافظ على صلاة الفجر حيزت له الدنيا.. ربي يجعلنا ممن يحذون حذوه ويجعلنا خير خلف لخير سلف اللهم ارحم من عجزت قلوبنا عن استيعاب فراقه وتؤلمنا قلوبنا عندما نردد دعاء الميت له.. اللهم جدّي في ودائعك”. نعم فحديث الحفيد يزيد هو حديث المحب الصادق في نعت جدّه الغالي في من فقده ولكن عزاؤنا أن( لكل أجل كتاب) والحمد لله على كل حال.
عندما نسترد شيئاً من ذاكرتنا عن الراحل، وعندما نستعيد شيئاً من بعض الذكريات الصادقة عن الفقيد فهناك قصصاً يتذكرها من أخذ حيزاً كبيراً في أذهانهم، ومن كان من ضمن أساس محيط اهتماماتهم، وسار يوماً من أدنى إلى أقصى طرقاتهم.. فسيرة ذلك الشاب _ آنذاك_ (وصل) وبعض مآثره عن بره بوالدته_ يرحمها الله تعالى_ والتي لاتُنسى أبداً فمنها وهو في مقتبل عمره وفي بدء يومه وقبل ذهابه لمدرسته (المشعلية) القيام كالمعتاد بالسلام والاطمئنان عليها والتزود ببركة دعائها، وهذا البر لم يتوقف عند هذا الحد بل كان لوالدته كل الحب والتقدير والعطاء والبذل حتّى أسس لها داراً لتحفيظ القرآن الكريم باسمها فكان نصيبه فيها أيضاً الأجر والثواب، هذا غير وقفاته الصادقة مع من حوله من أسرته جميعهم وهو باختصار ممن طبق حرفياً حديث الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم حيث قال:(خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي). نعم والناس شهود الله في أرضه، وهذا ماشهد له الناس وعلموه ومن المؤكد أن مابينه وبين خالقه أعظم وأجمل. غفر الله لوالدنا وصل بن مسلم الرحيلي ورحمه وأسكنه فسيح جناته وجميع موتى المسلمين والمسلمات.