تحكم الحياة البشرية منظومة من القيم الأخلاقية التي تُنظم طبيعة العلاقة فيما بينهم كالقيم الشخصية، والتعليمية، والأسرية، والمؤسسية، والمجتمعية، والسياسية، الاقتصادية، التجارية، وغيرها من القيم الأخرى التي تفرضها طبيعة العلاقة، والقيم من طبيعتها مراعاة المصالح العامة لجميع الأطراف بتعيين الحقوق وحمايتها؛ حيث تحكم القيم وتنظم وتوجه وتضبط وتقيم التصورات والتصرفات لأفراد المجتمع؛ لأنهم بدون قيم يصبحون في عصر الغاب يتصرفون بسلوك حيواني يتناقض مع السلوك الإنساني.
ولذا فالقيم هي مجموعة من الفضائل التي تظهر في سلوك الإنسان، ومن خلالها يتم الحكم على تنشئة صاحبها بقدر التزامه وتطبيقه لها في تعامله مع الآخرين بسلوكه الأخلاقي، والتي من خلالها يتم الحكم على المجتمع بأنه مجتمع حضاري أو متخلف، ويقول أحد الحكماء يُمثل الإنسان رقم (1) ومجموعة أصفار تالية، وهي تشمل كل ما يمتلكه الإنسان من صفات ومميزات، والرقم (1) هو الأخلاق، فإذا انعدمت الأخلاق فقدت الصفات الأخرى قيمتها.
والمجتمعات البشرية تشترك بفطرتها بمجموعة من القيم بأشكال مختلفة، وهذه القيم تكتسب من الدين، والعادات والتقاليد والأعراف والمصالح والتنشئة الاجتماعية. والقيم التي تميزنا كمسلمين هي مكارم الأخلاق التي أشار إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأخْلاقِ))، قال شوقي عن ذلك:
وإنَّما الأُمَمُ الأخْلاقُ ما بَقِيتْ فإنْ هُمُ ذَهَبَتْ أخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا
كما أن مسؤولية الالتزام بها ليست مسؤولية الدول وحدها بل تشترك المؤسسات التعليمية والأسرة والمجتمع بالمحافظة عليها؛ لأن من ثمارها انتشار الأمن والطمأنينة في المجتمع، فتختفي الجريمة، وتستقيم الحياة، ويقل الصراع، وينتشر العدل، ويتقلص الظلم، وتوجد المروءة والحياء وتحفز على تحمل المسؤولية تجاه الآخرين، وتتعزز ثقة الناس ببعضهم، وتسود المحبة ويعم الإخلاص، ويسود تقدير الآخرين لبعضهم، لما لمنظومة القيم من أثر على المجتمع بالمحافظة على التوازن الاجتماعي، وتقليل الاضطرابات، فتماسك الأخلاق يؤدي إلى تقوية العلاقات الاجتماعية والثقة بين الأفراد، ويبقى للمجتمع هويته الثقافية وتماسكه الاجتماعي فتنعدم الفوضى وتقل الجريمة، ويتم القضاء على الانقسامات الاجتماعية التي تسعى إلى تقويض الاستقرار السياسي، لتقصير كل فرد في القيام بدوره بالالتزام بالقيم وتطبيقها في سلوكه؛ ليكون إيجابيًا نحو مجتمعه.
ولمعرفة ثمن القيم وآثارها نتفحص أحوال المجتمعات؛ لنجد أن المصلحة قد حلت محل القيم الأخلاقية والجنسية والاقتصادية والسياسية وغيرها من قيم العدل والانصاف. والتحلل التدريجي من القيم الأخلاقية فتح الباب لسيادة الفوضى لتغير المفاهيم الاجتماعية التي غيرت تركيبتها وإعادة بنائها لتناسب الأوضاع السائدة للنظام الدولي الجديد، وما ينتج عنه مما يُهدد الأمن القومي للدول واستقرارها وديمومتها.
ومن هنا تشكل قيمنا الأساس للطريقة التي نصمم بها حياتنا؛ حيث تساعدنا القيم الإنسانية مثل الرحمة والتعاطف واللطف وما إلى ذلك على عيش حياة جيدة وتعكس تربيتنا وتعرضنا الثقافي. كما أنها تُساعدنا على تحقيق أهدافنا النهائية في الحياة وتُغذي بشكل كبير هويتنا كبشر فاهمين ومفكرين ومطبقين لها، ولكن مع تداخل الثقافات وطغيان بعضها على بعض نجد أن بعض الشعوب النامية بدأت تتحول من قيمها الأصيلة إلى قيم المصلحة الغريبة عنها اعتمادًا على الغرائز وإهمال المبادئ التابعة لثقافتها مما يؤدي إلى اهتزاز مكانتها ظنًا منها أن ذلك يؤدي إلى التقدم كغيرها.
– عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام – جامعة أم القرى
0