المقالات

فُسحةُ الخيال

“لولا الخيال لانفجرتُ”

لطالما كان الخيال ملاذاً وسِلماً من ظلم الواقع وبأسه، وسواده ووطأته، ولعل فيه ما يُخرِج إلى فُسحةٍ تصلك بأسباب البياض، وبياضٍ يوصلك بأسباب الفُسَح.

الخيال مادة الجنوح عن الطّريق المعهود، وبقدر ما يمنحك من جنوحٍ ترتقبه إلا أنه يعمل فيك سيف الاسم الذي أقام من نفسه محطةً للبؤس ومعياراً للشّقاء، ومع كلّ نجاحٍ تصحبُه يستقبلك جوابٌ لا تُحبُّه، ويكفي أن يُحدِّث عن نفسه ويُعرِّف بذاته “خيال” وكأنَّ الخطوة انشطرت قبل أن تكتمل، واندثرت قبل أن تصل.

“بين أن تتخيل ما ترغب به وترغب بما تتخيله تُطرَح فرص الإبداع” كما قيل وعليه فإن النّظرة هنا إيجابيةٌ مُطلقة، ولن نجادل كثيراً في منبع الإبداع إذ لا يمكن أن تصنع بيئةً مستقرةً به ممتلئةً بمدخراته، دون أن تسخّر الحياة خيالاً، والخيال حالاً.

الخيال مساقٌ يأخذك حيث نقطة لا يحق لك الرجوع منها، كما أنها مُضلِلةٌ للوجهة إن لم تكن معدومة، وهنا يأتي عمل تلك الرّوح وذلك العقل، ليتخذ مساراً يرهن العبقرية بحجم التّعاطي مع كلّ ما ليس موجوداً وكأنّه الحق المبين.

لا يمكنك العمل في تلك الفسحة بإتقان ما لم تتقن أداوته، ولعل أول تلك الأدوات استدراج الخيال نحو الواقع، بل ومعاقرته نقلاً مباشراً وإن كان خيالاً، لأنك حينها ستتعامل معه بأحقية، وتخاطبه بعقلانية، وهنا يتمكن الإبداع.

تفاصيل تلك الحياة هي مكمن الجهد، وفي التّفاصيل يكمن الأحق بالخيال من غيره، وأولى به مَن يتحدث عنه دون أن يتجاوب به ويصطنعه في ذاته.

نعم يكون الخيال سلماً للنجاة، وليس فقط فيمن تقاصر معه واقعه أو تنكرت له الحقيقة، بل يكون كذلك مع من يريد أن يصنع نسخةً أجمل من واقعه، ويسهل الوصول للحقيقة لتكون أكثر ودّاً، وأقرب استحصالاً واستحسانا.

وجدتُ الخيالِ لنا فسحةً
ومن قبلهِ كُلنا مُوجَـــــعُ
نفيقُ بهِ من سباتِ الأنينِ
لنأمنَ في واقعٍ يفــــزعُ
دنوت الخيال ليجتثني
وأدنيته علّه يسمــــــعُ

سيسمعك الخيال متى آمنت أنَّ بعضه يُجزي عن كلّه، وأن شيئاً منه يفي بسلام نصطنعه حيناً ونعيشه حيناً آخر، وهذا هو النجاح.

ختاماً. ليس من باب الجنون، بل من باب التّفاؤل وانصاف القدر…. استقم بالخيال حين يعجِزك الواقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى