المقالات

أخوانكم خولكم

لم تترك شريعة الإسلام العظيمة أمرًا كبيرًا أو صغيرًا من أمور الحياة إلّا وتمّ تناوله؛ فقد وسِعَت الشريعةُ برحمتِها وعدلِها القويّ والضّعيف. ومن المواضيع الحيويّة التي تمسّ المجتمعات موضوعَ الاحتياج للأيدي العاملة والعمال. وتعدُّ الرّحمةُ والشّفقة والاحترام والتّقدير من أصول التّعامل مع هذه الفئة المستضعفة؛ فمن يطمِعُ في رحمةِ الله، فليرحَم من هم أضعف منه من هؤلاء العمال كالسّائقين وعاملات المنازل والمربيات ومرافقات المرضى؛ قال – عليه الصّلاة والسّلام -: “هُم إخوانُكم خَوَلُكم، جَعَلَهم اللهُ تحت أيْديكم، فمَن كان أخُوه تحت يَدِه فلْيُطعِمْه ممَّا يَأكُلُ، ويُلبِسْه ممَّا يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإنْ كَلَّفتُموهم فأعينُوهم، ومَن لم يُلائِمْكم منهم فبِيعوهم، ولا تُعذِّبوا خَلْقَ اللهِ.”
فعندما تدخل فصول السّنة الباردة أو شديدة الحرارة والرّطوبة، ينبغي علينا كأمّةٍ مرحومة راحمة أن نرحمهم، فنسعى لنخفّفَ عنهم أعباءَ العمل لساعات طويلة، أو نقدم لهم اللباس والغذاء المناسبين، ليتقوّوا على برد الشتاء أو حرارة الشمس. وممّا تعلمتُه من والدي -رحمه الله وأكرم مثواه -الرحمةُ بالعمّال والعطف عليهم بشكل كبير، والتّواضعُ لهم بشكل مذهل؛ فكان يأكل من طعامهم مجاملةً لهم، ويطعمهم من أفضل ما نأكل، ولا يقبل إرسال بقايا طعامنا لهم عملا بقوله صلّى الله عليه وسلّم. “إنّما يرحَمُ اللهُ من عبادِه الرُّحماء.”
هؤلاء قوم اضطرّتهم ظروف المعيشة في بلدانهم لترك عائلاتهم وأطفالهم وذويهم للسفر بعيداً عن بيئتهم للعمل وكسب العيش، فلا أقلَّ من رحمتهم وتخيّل عدم قدرتِهم على العمل في بعض الأيام بكفاءة عالية إمّا لمشاكلَ أسريّة أو لتعرّضهم لضغط نفسيّ من فارق اللّغة والثّقافة وطريقة الحياة في بيوت مكفوليهم. وكلّ هذا لا يعني أنّهم أقلّ بشريةً منّا، بل لابدّ من تحمّل أخطائِهم قدر المستطاع، ومنحِهم الوقتَ الكافي لتلّقي تدريباتٍ مناسبة لتفهّم المدنيّة والحداثة من حيث الأجهزةُ والمكننة العالية التي نعيشها، لاسيما أن فيهم مَن يأتي من بيئات ليس لبيوتها أسقفٌ وليس فيها كهرباء أو ماء، فكلُّ ما يرونَه في بيوتنا هم حديثو عهد بها في الغالب فلا بدّ من عمل تهيئة مناسبة لهم، وإعادة مراجعة تعليمات العمل معهم بين الحين والآخر تفاديًا لأيّ خطأ غير مقصود منهم.
ولا يفوتني أن أذكّر في هذه العجالة بضرورة صرف مستحقّاتهم أوّلًا بأوّل، وقد كفلت الدولةُ حفظها الله حقوقَهم من خلال نظام العمل والعمال وذلك بفتح حسابات بنكية لهم وإيداع مستحقّاتهم التي يدعمون بها أسرهم ويقضون بها أمور حياتهم، مصداقًا لقوله صلّى الله عليه وسلم “أعطوا الأجير حقه قبل أن يجفّ عرقه”. فمن يرحمهم يرحمه الله، ومَن رحِمَه الله غمَرَته السعادةُ، ونالَ حُسن العاقِبة في الدّنيا والآخرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى