المقالات

لماذا كشف الحال…؟!

حياة الإنسان هي سره الخاص مهما كان فيها من تفاصيل صغيرة؛ فهي تخصه. كل منا لديه أسراره. وأحيانًا لا يعلم أنها سره إلا بعد أن يمر زمن، وتصبح تلك المواقف البسيطة والتلقائية أو التي تظن أنها بسيطة سرًّا من الأسرار. سواء أكانت حقيقة كذلك أو أن الظروف فرضت أن تكون سرًّا. فمثلًا ما تقوم به وأنت مراهق وحتى لو كان ليس بتلك الكبيرة في نظر المجتمع؛ وخاصة في مجتمعك المحدد؛ فعندما تكبر قد تخجل منه، وأيضًا ما قبل الزواج غير ما بعد الزواج وهكذا. وما استودعته من أصدقائك سرًّا ليس بالضرورة أن يبقى كذلك؛ فالسر إذا جاوز الاثنين شاع. وفي نفس الوقت لا تبحث عن أسرار الناس، وإذا الظروف أطلعتك بشكل أو بآخر على سر من أسرار أحدهم؛ فهذا لا يعني أنه حقًا مباح تنشره متى شئت بل أحيانًا لا يسلم من البهارات التي غالبًا ما تكون سلبية. يقول الشافعي:
إذا المرء أفشى سره بلسانه ** ولام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه * فصدر الذي يستودع السر أضيق
وقال بشار بن برد:
وللسر فيما بين جنبي مكمن * خفي قصي عن مدارج أنفاسي.
كأني من فرط احتفاظي أضعته ** فبعضي له راع وبعضي له ناسي.
لكن من أين لنا من قامة مثل الشافعي يحفظ السر وهامة مثل بشار بن برد كذلك. …..قد تكون هذه المقدمة ذات علاقة عابرة عن موضوعنا ولكن الناس أسرار، وقد يصر البعض على كشفها وإن بحسن نية أو عدم مسؤولية أو قصور في إدراك معنى الخصوصية، وما أكتب عنه اليوم هو بشكل أو بآخر قد يتعلق بأحد تلك الأسباب. فعندما يأتي أحدنا ليشتري سيارة أو بعض الممتلكات يطلب منه كشف حساب لمدة سنتين منها سنة online والثانية ورقية وهذه أحيانًا تكون مئات الصفحات، وأزيدكم من الشعر قصرًا أنها لا بد أن ترسل لإدارة البنك المركزية بالرياض لأخذ الموافقة لأنها سنتان وياليل ما أطولك، وأيضًا عندما نريد أن نحصل على تأشيرة عامل أو عاملة. يطلب منا أن نحضر كشفًا لحسابنا من البنك لمدة ثلاثة أشهر، أتساءل بأي حق يطلع أي شخص على حساب أي مواطن بكل التفاصيل المملة. كم دخل في حسابي، وكم خرج ومتى وكيف، ولمن أرسلت، وممن جاءتني، وكيف صرفتها. هناك مواطنون لا يريدون أن يطلع أحد على حسابهم ومن حقهم. الحقيقة إجراء عجيب ومسلّم به مع الأسف كشرط من الشروط، والكثير من المبايعات أو العقود لا تتم إلا به. أتساءل من أقر ذلك الإجراء غير المنطقي .ألا يوجد إجراء آخر ليس فيه انتهاكًا لخصوصية الناس. كل مواطن من حقه أن تكون له خصوصيته في ماله ومصادره، وكم لديه والناس أسرار حتى فعل الخير الكثير منَّا لا يحب أن يعلم به أحد بالإضافة إلى أنه قد تستغل تلك المعلومات. من قبل من يطلع عليها وهنا بالتأكيد لا أتحدث عن الجهات الرسمية المسؤولة عن الحفظ على الأمن المالي؛ فهذا أمر آخر ولا يتم إلا بإجراءات تقرها الدولة -حفظها الله-. أدعو وزارة المالية أو البنك المركزي أو أي جهة ذات علاقة أن تُعيد النظر في هذا الأمر، وأن تجد حلولًا بديلة؛ فمن حق المواطن أن تكون حساباته مصونة، وقد يكون من ضمن الحلول أن هناك تقييمًا للحساب مثلًا “جيد جدًا”، ومن ثم “جيد أو ضعيف”، وممكن يكون آليًا. أو كما أفتاني صديقي الأستاذ سمير باعيسي، وهو علم على رأسه جمر في عالم البنوك وهو أن يؤخذ بمتوسط الحساب السنوي؛ وذلك سيفي بالغرض، وبالتالي الشركات تقيم الحالة على ذلك الأساس. وكذلك الجهات الخدمية. وطالما نتكلم عن البنوك من فترة أصبحت الكثير من المحلات التجارية لا تقبل البطاقات الائتمانية ما لم تكن صادرة أًو تحظى بعلامة “مدى”، وأعتقد أن هذا توجيه إجباري لاستعمال هذه البطاقات، وأنا كمواطن أود طالما استصدرت بطاقات سليمة وذات كفاءة أن تعتمد وفي نفس الوقت ذلك الإجراء يُعطل إنجازًا عمليًا، ولا يخصني أن شركة استحوذت على شريحة هامة من السوق، ولا أود عندما أقدم بطاقتي وهي مفعلة ومليئة أن لا تقبل؛ فهل من مجيب ومهتم وألا لا تندهي ما في حدا. إضاءة. … القرارات تحتاج إلى تقنين وترشيد ومرونة وليس خبطًا عشوائيًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى