المقالات

هل الإنسان بحاجة إلى لفت الأنظار؟

فرق كبير بين أن تلفت الأنظار إليك، وأن تلتفت الأنظار نحوك ! في حالة “لفت الأنظار” يعمل أحدهم جاهدًا لنيل “الدهشة” التي تُمثل في حد ذاتها غاية نهائية تشبع طموحه الانفعالي المحض! هنا يكفيه أن يكون هو الأفضل، هو الأجمل، هو الأكمل، هو المرجعية، هو السيد، هو المثل الأعلى، هو المتألق، هو محط الأنظار.

في الحالة الثانية حالة “التفات الأنظار” مستوى مختلف من الحقيقة ! هنا لا يُمارس الإنسان دورًا يبحث فيه عن إثارة “الدهشة” أو “الإعجاب” في نفوس الآخرين بقدر ما تقوم أفعاله بهذه المهمة دون توجيه منه؛ لأن الغاية النهائية لدى هؤلاء الناس هي النفع وليس التنفع.

فرق كبير جدًا بين أن تلفت الأنظار؛ لتنتفع ذاتيًا وبين أن تلتفت إليك الأنظار لتنفع الناس. هذا الفرق ليس مبهرًا على صعيد طبيعة الحدث أي “اللفت والالتفات” بل على صعيد الأخلاق التي يكتنزها هذان الخلقان المتباينان لغة ومعنًى.

الباحثون عن لفت الأنظار عادةً أصحاب أنا متضخمة ! لديهم هوس دعائي منفلت ! هم بعبارة مبسطة يقتاتون على آراء الناس فيما يفعلون ويستمدون من مديح الناس الوقود اللازم لاستمرارية عيشهم وإنجازهم؛ لذلك فإن زمام أمرهم لا يوجد في داخل كياناتهم الهشّة بل لدى غيرهم مما يجعل عملية السيطرة والتحكم في أدنى حالاتها لدى هذه العينة، وهو ما يرفع من وتيرة القلق لديهم حينما لا ترتقي مستويات أدائهم إلى ما يطمح إليه أرباب سيادتهم وسماسرة شهرتهم.

في الجانب المقابل يطل علينا المستقلون الذين تتحدث أفعالهم نيابة عنهم؛ فينتفع الناس بهم ويلتفتون إليهم دون طلبهم.. هذه الفئة من الناس متصالحة مع ذواتها.. مركزة على أهدافها.. عالمية التوجه وإنسانية المقصد؛ لذلك لا يوجد داخل هذه العينة من البشر سوى حيز ضيق جدًا للخيبات يكون مردها الشعور بالحزن لعدم تحقيق النفع للناس وليس عدم الانتفاع من الناس.. هنا تتجلى الهمة العالية، وهنا يبرز الإنسان المفرط في إنسانيته.

قديمًا تنافس الناس في صناعة النفع للناس فاخترعوا العجلة، وتعلموا الزراعة والحراثة، واستأنسوا الحيوانات، وبنوا الملاجئ والبيوت، ونحتوا الصخور، وسبكوا المعادن والعملات، واخترعوا المطبعة والكتابة، وسيروا آلة البخار، وطوروا محركات الاحتراق الداخلي، ثم طوروا فيزياء الذرة والكم وقدموا الكهرباء والموصلات ومفاعلات الطاقة، وأبدعوا في التقنية فكان الحاسب والهاتف المحمول والذكاء الاصطناعي.

ترى هل كان هؤلاء الجبابرة عقليًّا يبحثون عن لفت الأنظار أم كانت الأنظار تبحث عنهم ؟ هل كانوا يطلبون الحياة أم كانت الحياة تتسول لديهم ؟

الإجابة لدى محمد الغزالي الذي قال:
“إن المجد والنجاح والإنتاج تظل أحلامًا لذيذة في نفوس أصحابها، وما تتحول حقائق حية إلا إذا نفخ فيها العاملون من روحهم ووصلوها بما في الدنيا من حس وحركة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى