يقول المثل الدارج: الإنسان عدوٌ لما يجهل، ولكن كيف لنا أن نعرف مقدار جهلنا أو مدى تمكننا من المعرفة؟ وما مدى تأثير ذلك على قراراتنا وتصرفاتنا؟
في العام ١٩٩٩م قام عالما النفس الاجتماعي الأمريكيان “ديفيد دانينغ” و”جستن كروغر”؛ من جامعة كرونيل بولاية نيويورك، بمحاولة لإجابة هذا السؤال بدراسة فريدة للنظر في الانحياز الذهني، أو ببساطة؛ ما إذا كان محدود المهارات ينظر لنفسه على أنه من ذوي المهارات والإمكانات المتفوقة أو العكس؟
قام العالمان بقياس مدى معرفة مجموعة من المشتركين بالدراسة في المنطق والقواعد اللغوية والمهارات الاجتماعية، وطلبوا من المشاركين أن يقيموا مستوى معرفتهم، ليجدوا أن الذين قيّموا أنفسهم بأنهم ذوو معرفة أعلى، كانت نتائجهم أقل من المعتاد على عكس أولئك الذين لم يقيموا نفسهم بأنهم ذوو معرفة أعلى كانوا قد حازوا على نتائج أفضل. تُعرف هذه الظاهرة اليوم بـ”تأثير دانينغ – كروغر”.
طبَّق العديد من الباحثين هذه النظرية بإسهاب في مجالات وعلوم عدة: كالأعمال والتربية والأدب، لشرح كيف أن بعض ذوي الإنجازات ينظرون لأنفسهم بأنهم ذوو إمكانات محدودة على غرار ما قاموا به من إنجازات عظيمة، بجانب نظريات أخرى انبثقت من تلك النظرية كنظرية “رامسفيلد” عن حدود المعرفة، التابعة للعالم “مايكل كروغيريس”.
فالمعرفة القليلة أو المحدودة بالشيء – أيًّا كان – تحجب عن المعرفة الحقيقية التي عادةً ما تدل على حقيقة أن المعرفة هي كبحر غمْر لا نهاية له، فتجد ذا المعرفة الواسعة يعي ذلك ويتعامل مع مخزون المعرفة لديه بحذر؛ فلا يتخذ أي قرار أو يستنتج أي استنتاج إلا بتأنٍ، بعكس من يملك معرفة محدودة؛ فقد تجده يتعامل مع ذات الموقف بتسرع وعدم إدراك لحجم الغيبيات في أي معرفة كانت.
في ذات الشأن، الشاعر والفيلسوف الإنجليزي المعروف “ألكساندر بوب”؛ الذي عاش بين العامين ١٦٨٨م و١٧٤٤م، قال جملته الشهيرة عن تأثير قلة المعرفة، في كتابه بعنوان “مقالة عن النقد” فيقول: القليل من المعرفة شيء خطير؛ ارتوِ من بئر المعرفة أو لا تشرب منه بتاتًا!
أخيرًا؛ يقول “دانينغ” عن نظريته تلك أن: عدم الإلمام بالجهل الشخصي هو طبيعة بشرية، بالرغم من مقدرتنا على ملاحظته على غيرنا!
0