تقذف المطابع يوميًا بعشرات بل بمئات الكتب، القليل منها يحمل جيد الأفكار والآراء، وكثير منها غير ذلك، فتجده ضعيف المحتوى والعنوان، بل إن بعض هذه الكتب تُشعرك عند قراءتها بالملل والسأم، لذلك يجب تركها والتخلص منها، في حين أن الجيّد منها تتمنى لو سمح لك الوقت أن تُعيد قراءتها مرات وكرات بعد مرات.
الكتاب الذي بين يدي اليوم هو إهداء لي من مؤلفه أخي الكريم الأكاديمي ورجل الشورى والصحافة الدكتور “هاشم عبده هاشم”، في جزئه الأول، جاء بعنوان “ملوك وأمراء وزعماء وشخصيات في ذاكرتي”، هو من هذه الكتب الجيدة الأفكار والآراء؛ قرأته غير مرة، وأشتاق لقراءته مرة أخرى.
مقدمة الكتاب غاية في روعة السرد والجمال الأدبي، هي تلخيص بديع للمحتوى، أقتبس منها الآتي: “شرفت منذ وقت مبكر بمرافقة ومواكبة ملوك هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية؛ بدءًا من الملك فيصل، والملك خالد، وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله- رحمهم الله جميعًا-، وانتهاءً بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله ورعاه- في رحلاتهم الخارجية وبعض مناسباتهم الداخلية الهامة.
في كل مرة كنت أتعلم-والكلام لا يزال للدكتور هاشم عبده- وأُعيد رسم وتخطيط مسارات حياتي في ضوء ما كنت أختزنه من خبرات وتجارب ومواقف وتصرفات اكتسبتها منهم خلال خمسين سنة من العمل.
كما قدر لي أن أتعرف على العديد من أصحاب السمو الأمراء خلال نفس الفترة، وأن أستفيد من كل لحظة عشتها معهم في فهم الحياة وقراءة تفاصيلها.
وقد أتاح لي عملي في رئاسة التحرير فرصًا ثمينة للالتقاء بعدد من الزعماء العرب والمسلمين، ومن غيرهم في مراحل مختلفة من تسلمهم وممارستهم السلطة في بلادهم، وتابعت بعد ذلك ما انتهى إليه مصير العديد منهم في ظروف مختلفة، أدت إلى تغير الأوضاع في بلادهم بصورة دراماتيكية ومتفاوتة أسلمتني لحالة من التأمل، والاسترجاع لوقائع تلك اللقاءات، ومقارنتها بما آلت إليه الأوضاع بعد ذلك. وكان آخر لقاء لي مع فخامة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعد تسلمه السلطة بثلاثة أشهر أعقاب أحداث هامة شهدها البلد العربي الشقيق والكبير”. انتهى الاقتباس.
الكتاب سيرة ومسيرة عطرة لمؤلفه الدكتور/ هاشم عبده هاشم، فيه الكثير من المواقف الرائعة التي جاءت بالوصف البديع، إنه كباقة ورد تمنحك عبيرها وطيب شذاها؛ إنه ليس صفحات من الورق، بل هو صفحات من قلب كاتبه، وأجزاء من عقله، وشذرات من ذكرياته العطرة التي عاشها خلال خمسة عقود من العمل الجاد.
وهنا أستشهد بقول الإمام “ابن الجوزي” عن أهمية الكتاب: “كتاب المرء ابنه المخلد”.
0