من المعروف أن العمل الخيري هو كل مال أو جهد أو وقت يُبذل من أجل نفع الناس وإسعادهم وللتخفيف من معاناتهم، وهو فرصة لتعزيز الأواصر الاجتماعية وإيجاد مجتمعات أكثر شمولًا وتعاونًا لما للعمل الخيري من قدرة لرفع آثار الأضرار المترتبة على الأزمات الإنسانية، ودعم الاحتياجات الأساسية والمستجدات الحديثة في مجالات الرعاية الطبية والتعليم والإسكان وحماية الأطفال.. وغيرها.
فالعمل الخيري في الأصل ينطلق من مبادئ وقيم إسلامية أصيلة يتسق مع حقيقة القول بأن العبد المسلم إنسانٌ ذو تأثير خيّر في الحياة . وبإطلالة من رصيد الأخبار نجد أن ثقافة العمل الخيري في بلادنا ولله الحمد متجذرة في نفس هذا الشعب الكريم المعطاء، فما أن تستجد بادرة إلا والتجاوب ينهال بلا حدود.
بالأمس بعد انتهاء أمسية ثقافية في منتدى أ. د. عبد المحسن القحطاني في جدة، تعرفت على الأخ محمد سعيد أبو ملحة، وقدم لي دعوة لزيارة مكتبه وفهمت منه أن لديه برامج اجتماعية وبحكم التخصص في عملي الرسمي سابقًا، تشجعت بعد طول غياب عقب التقاعد، وعندما وصلت الموقع تفاجأت أنني أمام مبنى يخص (جمعية البر) .. وكاتب هذه السطور لا يزال يخفي في مخيلته من خلال قراءة لحالات قديمة متداولة في الصحف أحيانًا بأن الجمعيات الخيرية وضعها لا يَسُرّ. لكن ملامح صاحب الدعوة وأنا أقابله لأول مرة أوجدت لدي انطباعًا بأن صاحبنا قيادي .. ذو شخصية مؤثرة؛ لذا فإن استكمال الزيارة لا يمكن التراجع عنه.
منذ أول لحظة لدخولي جمعية البر بجدة لفت انتباهي وجود خلية نشطة متكاملة بدءًا من الاستقبال في بوابة الدخول مرورًا بأريحية من رئيس الجمعية. وصولًا إلى مكتب لصاحب الدعوة على شكل طاولة عمل.. وليسمح لي القارئ الكريم أن أصف دقائق معدودة أنقلها بكل صدق وأمانة في تلك الزيارة عندما شاهدت ورشة عمل عفوية مصغرة الكل يدلي بما لديه من فكر إيجابي .. وجدت مستشارًا أسريًا، وخبيرًا في التدريب والتنمية، وإحدى بناتنا المحاميات السعوديات، وبروفيسورًا زائرًا من دولة ألبانيا وعددًا من الشباب والشابات المتطوعين يقفون بكل جاهزية لما يُسند لهم من أعمال تطوعية. اتضح لي أن مفهوم (البِرّ) تعدى تلك المقولات السائدة حول النفقات العاجلة والفواتير الآجلة.. هنا نجد مسارات متعددة تهدف أولًا إلى صناعة الأثر المستدام من خلال التمكين، وتحقيق جودة الحياة وتعزيز الصحة العامة ..
ولعلني أنقل للقارئ الكريم ما أعتبره إسهامًا من العبد الفقير لكي أُزيح من مخيلتي أولًا، وربما موجود عند غيرى؛ بعض الأفكار المشوشة حول العمل الخيري .. نحن في عهد الحزم والعزم. الفساد كان ولن يكون .. والباب هنا مفتوح لكل زائر أو عابر .. والقلوب أكثر رحابة وأوسع صدرًا.
ولكي يكون حديثي عن هذا المرفق الإنساني مقننًا استقيت بقية المعلومات من المستشار الإعلامي للجمعية الأستاذ عبد القادر رضوان، وهو الإعلامي الخبير مند أمد بعيد في جريدة المدينة؛ حيث كل أنظمة الجمعية تمر عبر منظومة من الحوكمة والشفافية، وكل شاردة وواردة مدونة ومعلنة. هذا جزء وبقية مما اختزنته ذاكرتي خلال اللقاء:
– رعاية الأيتام في أحوال متعددة ومصنفة .. منها ما يُسمى دور الضيافة وهي تشمل دار الشربتلي للأبناء وضيافة الصفا للبنات ومساكن (رجال المستقبل) لمن تجاوزوا ١٨ عامًا.. وقد بلغ عدد الأيتام الذين تمت رعايتهم خلال الفترة الماضية حوالي ١٢٠٠ يتيم ويتيمة. هؤلاء يتلقون كل أشكال الرعاية والاهتمام؛ حيث يستفيدون من البرامج الصحية والتعليمية والنفسية والترفيهية؛ إضافة إلى برامج لدمجهم مجتمعيًا وتنمية مواهبهم وقدراتهم وبناء مستقبلهم من خلال إتاحة فرص ابتعاثهم وتوظيفهم وبناء حياتهم الزوجية.
أما الأسر المستفيدة؛ فقد تم خدمة قرابة ٣٤ ألف أسرة من خلال برامج تدريبية وتأهيلية لهم ولأبنائهم وصولًا إلى تمكينهم من خلال توظيفهم مع إتاحة الفرصة للأسر المنتجة للعمل بالأسواق عبر تهيئة مساحات لهم لعرض منتجاتهم .
أما قبول الأسر بالجمعية فيتم بعد دراسة حالاتهم بواسطة باحثات أسريات من الجمعية وفق شروط ومعايير مقننة.
كما لا ننسى الرعاية الصحية لمرضى الفشل الكلوي في مركزي هشام عطار وعبد الكريم بكر الطبي التابعين للجمعية.. اللذين تم فيهما إجراء أكثر من ٦٥٠ ألف جلسة غسيل من خلال ١٠٠ جهاز للغسيل الكلوي. مع تقديم الرعاية النفسية التثقيفية والصحية للمرضى الذين يبلغ عددهم نحو ٣٠٠ مريض.
هذا ما استطعت استيعابه في زيارتي السريعة، ومن المؤكد أن هناك أنشطة لا يتسع المجال لسردها.. كانت أفكارًا عابرة.. رأيت من خلالها أن مناشط الجمعية بمشيئة الله في أيدٍ مخلصة للإنسان وللوطن .. والله من وراء القصد.