قبل أيام التقيتُ شخصًا في مكتبي قيل لي عنده أسئلة عن الإسلام، ولفت نظري ضخامة جسمه؛ فقد أتاه الله بسطة في الجسم. رحبت به وجلس في صمت طويل بعض الشيء ثم قال لي: عملت أشياء سيئة في حياتي، سيئة جدًّا، ولكن ليست أسوأ من دينكم الذي تدينون به، والحقيقة شعرت بريبة وخاصة حوادث شبيهة حصلت لكثيرٍ من الأئمة في بريطانيا، وقد فَقَد الشيخ السلموني (حفظه الله) وهو إمام سابق في المركز الإسلامي عينيه من قبل وتم طعن مؤذن المركز، وهو رجل مبارك من قبل بعض المعتوهين الحاقدين على الإسلام.
فأحببت أن أسمع منه ولم أقاطعه. فقلت له: إن الإسلام دين يدعو إلى الخير وإلى الإحسان وإلى كرامة الإنسان. قال لي: لا تستطيع أن تنكر دينك يأمر بالقتل، وهذا موجود في كتابكم. قلت أين ذلك؟ فبدأ يقرأ عليَّ من هاتفه ترجمة لقول الله تعالى: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) (البقرة: 191) ثم قال: هل تنكر أن هذا في كتابكم؟ أليس هذا القرآن؟ قلت له يا أستاذ: هل بالإمكان أن تقرأ لي الآية التي قبلها؟ قال: لماذا؟ قلت له: حتى تفهم من المقصود بهذه الآية يجب أن تقرأ الآية التي قبلها. فقرأ قول الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190). فرأيت التأثر في عينيه وقلت له: الآية السابقة تتعلق بمن يعتدي ويقاتل.
قال لي ولكن سمة نبيكم وحياته كلها قتال ومعارك. قلت له يا أستاذ ظل نبينا -صلى الله عليه وسلم- في مكة 13 عامًا يُعتدى عليه وعلى أصحابه ويحارب ويضيق عليه حتى أُخرج من مكة مُكرهًا. وحتى عندما أخرجوه من مكة قاتلوه حيث ذهب. فغزوة بدر كانت قريبة من المدينة وغزوة أحد كانت في المدينة، غزوة الخندق كانت في المدينة حتى عندما خرج إليهم ونصره الله عليهم في فتح مكة عفا عنهم وأكرمهم. وهنا أشير إلى تقصيرنا واختصار سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من مناهجنا، وكتبنا فقط على الغزوات دون غيرها.
ثم انتقل صاحبنا إلى محور آخر من أسئلته، ولكن في جو فيه الكثير من الأريحية، وقد ذهب عن صاحبكم بعض ما كان عنده من الريبة التي وجدها عندما دخل على مكتبه السائل. قال لي: أنتم تعيبون على النصارى أنهم يقولون “عيسى ابن الله” ولكنكم تعبدون محمدًا (صلى الله عليه وسلم). قلت له: لا! نحن نؤمن ونعتقد أنه عبد الله ورسوله. فقرأ عليَّ من هاتفه ترجمة لقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) (الأحزاب: 56) قلت له: هذه ليست صلاة عبادة كما فهمتها.. إنما هي رحمة وبركات تتنزل من الله على رسوله وثناء منه على رسوله في الملأ الأعلى، وطلبت منه أن يقرأ قول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) (الأحزاب: 43). وانتقل بعد ذلك إلى سؤال آخر يتعلق بمكانة المرأة في الإسلام، وأن الطابع العام هو أنها مستضعفة. قلت له إن المرأة في الإسلام مكرمة ومكانتها عالية ولك أن تتأمل قول الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: 119). إذا تأملت في الآية الكريمة الخطاب موجه للرجال دون النساء مع أن العلاقة الزوجية تتطلب مسؤولية مشتركة، ولكن الحق سبحانه يأمر الرجال بأن يعاملوا زوجاتهم بالمعروف عند الناس بالحسن والجمال الذي لا يختلف الناس في رقيه وطيبه. معاملة لا ينكرها الشرع الحنيف ولا ترفضها المروءة بل ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرية الرجل بخيريته لأهله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لأهلِهِ وأنا خَيْرُكُمْ) لأهلِي الترمذي: 3895.
وفي نهاية اللقاء ذهب عني ما كنت أجد من الخوف، وأبدلني لله سبحانه وتعالى بفرحة عظيمة عندما دخل أخي المبارك إلى الإسلام، ونطق بالشهادتين والحمد لله رب العالمين.
عنوان المقال جزء من آية كريمة قال تعالى: (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) (النصر: 2)، كان ذلك تعليق معالي الدكتور بكري عساس مدير جامعة أم القرى سابقًا عندما أخبرته بما حدث. وهذا الرجل المبارك هو نعمة من الله في حياتك.. كثير من الذين يدخلون إلى دين الله أفواجًا. مل أن يدخل أحده الإسلام إلا اتصلت عليه حتى يسمع كلامه الطيب وفرحته الصادقة، وهو يدعو له من جوار بيت الله الحرام. فوالله كم تسعدني تلك الدموع التي أراها في عيون المسلمين الجُدد وهم يسمعون لحديثه ودعائه ونصحه وحبه لهم الله، أسأل أن يجزيه خير الجزاء.