تمر الأيام والأمة الإسلامية تعيش آلامًا وأحزانًا، حروب مدمرة، وعقول متحجرة، منشؤها تحزبات وانتماءات لاتجاهات جعلت نفسها في موضع التقديس.
إن هذه التحزبات تستعمل النفوذ الفكري تارة والعسكري تارة؛ لتحقيق أهدافها مهما تكلفها الأرواح والأموال .
وعند دراستتا في استخدام العنف والنفوذ العسكري في تاريخنا نجد أن الإخوان المسلمين منذ تأسيس جماعتهم إلى يومنا هذا يسجلون رقمًا قياسيًا كبيرًا لدى العالم بأسره، وذلك في تنفيذ الوصايا التي وضعها المؤسس حسن البنا في مصر التي تُشير إلى استخدام القوة باسم الجهاد للوصول إلى الحكم .
بعد ما تبيّنت خطورة الجماعة في مصر تم حظرها كليًا،وفرَّ الكثير من أعضائها إلى الخارج بحثًا عن ملاذ لتوزيع التطرف والإرهاب، فكان النصيب الأكبر لدول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بلاد الحرمين التي تضم المدينتين العظيمتين مكة المكرمة والمدينة المنورة، فبحسن ظنها للمسلمين جميعهم استغل التنظيم الإرهابي الإخواني الفرصة للالتحاق بالسلك الإداري بشتى أنواعه لتنفيذ المخططات الإخوانية .
والمملكة العربية السعودية خدمتها للإسلام والمسلمين ودورها الأساسي ففتحت قلبها لاستقبال المسلمين ومنهم العلماء والدعاة من أنحاء العالم، ولكن البعض من المنتمين للإخوان بعد ما سيطروا على العديد من المناصب الإدارية في عقدي السبعينيات والثمانينيات، وكذلك على المنابر الإعلامية خاصة، توسعت دائرتهم، وقويت شوكتهم في التدبير لزعزعة أمن المملكة.
وبعد حرب الخليج كشفت المملكة العربية السعودية مؤامرة الإخوان ضدها للموقف العلني معارضة دخول القوات العالمية لإعادة الشرعية في الكويت، فتحركت المملكة بالتحذير من شرهم فطويت صفحتهم في السعودية بعد ما كان لهم نفوذ إداري.
وللإخوان دور كبير في تبني سياسة التطرف في أنحاء العالم، فما من بلد دخلوه إلا وكان التحريض منهم للمسلمين في ذلك البلد ضد السلطة؛ لأن سعيهم إقامة سلطة يكون مرشدها منفذًا للتعليمات التي وضعها المؤسس .
والقارة الأوروبية لم تسلم من أمرهم، فهم الذين فروا من ديارهم إلى أوروبا وآوتهم أوروبا ومنحتهم وظائف ومساكن بل وصل إلى الأمر إلى المواطنة، ومع ذلك لم يروا ذلك شيئًا في المقابل بالمثل، ولكنهم أرادوا تحويل البلاد التي تسودها العلمانية إلى الأسلمة، فمن هنا وقع الخلاف بينهم وبين الحكومات الأوروبية، فكانوا سببًا بإضاعة كثير من الحقوق عند المسلمين، وصار الكثير من المسلمين اليوم ينظر إليهم الأوربيون نظرة احتقار وكراهية .
لقد كان في فرنسا بعد الحرب العالمية الاولى والثانية المسلمون لم يكونوا يتضايقون أبدًا بل كانوا آمنين مطمئنين، ولكن بعد ظهور التنظيمات الفكرية المنتمية إلى الإخوان والداعية إلى تغيير أنظمة الحكم، لقي المسلمون إلى اليوم أضرارًا كثيرة جراء تلك التنظيمات؛ حيث هناك اليمين المتطرف المعادي للإسلام، استغل الفرصة للوقوف ضد الإسلام دون التمييز بين المسلم المعتدل الداعي إلى الوسطية والتعايش السلمي وغيره ممن يحمل سلاح العنف ونفس الكراهية والبغض لغيره .
ونحن في هذا الوقت لا ننسى دور معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي الدكتور الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ – حفظه الله- الذي لعبه منذ أكثر من عشرين عامًا في اتخاذ موقف علني صريح ضد الجماعة في التصدي لنشاطاتها داخل المملكة عبر الوسائل الفكرية من تأليف ومحاضرات ودروس ومشاركات إعلامية؛ مما أدى إلى تعرضه للإيذاء ماديًا ومعنويًا إلى أن أتم إسناد وزارة الشؤون الإسلامية إليه فاستطاع بعبقريته الفذة، وبخبرته العميقة تنقية أجواء الوزارة من خلايا الفكر الإخواني المتطرف، فنالت الوزارة ثقة وتقديرًا لأجله أمام العالم؛ فشهدت الخارجية الأمريكية للمملكة العربية السعودية نجاحها في مكافحة التطرف والإرهاب؛ وذلك بفضل الله ثم بجهود الوزير عبد اللطيف آل الشيخ -حفظه الله- .
وكذلك العاصمة الثانية لهم تركيا بزعامة أردوغان بعد ما فشل في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لم يجد طريقًا للم جرحه إلا احتضان زعماء الإرهاب وقادة التطرف في تركيا بإصدار فتاوى التكفير، واستباحة الدماء، وتهديد أمن الحرمين الشريفين انتقامًا من موقف المملكة العربية السعودية تجاه الإخوان .
وبعد ما قامت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بدراسة وتأمل وفق المنظور الشرعي لما يحقق الأمن والاستقرار أصدرت بيانها الثابت على (أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب، محذرة الجميع من هذه الجماعة وعدم الانتماء إليها أو التعاطف معها).
فمن خلال قراءة البيان المتمثل في موقف كبار العلماء الذين هم يحملون راية العلم من الرواية والدراية في أرض الحرمين الشريفين أقدس البقاع يتبين لنا أن الموقف أتى ليكمل ويجسد دور الوزير عبد اللطيف آل الشيخ منذ فترة طويلة في تنقية الأجواء الدعوية، والتصدي لكل ما يُهدد أمن المملكة العربية السعودية قبلة المسلمين جميعًا .
فمن حق القيادة السعودية العظيمة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان- حفظهما الله – تنفيذ البيان وذلك لشعورهما بمسؤوليتهما نحو الإسلام والمسلمين في حماية أمنهم واستقرارهم .
إمام وخطيب المركز الثقافي الإسلامي بمدينة درانسي شمال باريس في فرنسا