المقالات

الأيام ووجوه العابرين

بتكاسل غير معهود، تحاول أن تبعث أشعتها الصباحية، لتبدد ظلمة الليل الدامس.. لتقلب صفحات الأمس التي امتلأت بحبر الأحداث الباسم منها والموجع؛ لتنهي حديثًا بعد مساء طويل، وتفتح صفحة ليوم جديد، صفحة ناصعة البياض تترقب ملؤها بألوان السعادة الزاهية..
جلست على ذلك الكرسي، اخترته لأستطيع تأمّل المارة، وتأمل وجوه العابرين الذين تجرهم الخطى ذهابًا وإيابًا في سعي دؤوب في دروب الحياة.. تتفاوت الخطى بين مسرعة؛ وكأنها تُسابق الريح تخشى أن يفوتها قطار الرحلة التي تعيشها، وبين خطى تجر خلفها همومًا كجبال أثقلتها الثلوج الباردة، وأخرى خطى متزنة تعلم ما تريد وإلى أين يتجه..
تختلف ملامح العابرين، وترتسم على مرآة وجوههم صورًا منها الحقيقي، والآخر قناع يخفي خلفه حقائق مدفونة في الأعماق، لتعرض حكاية يريد أن يراها الآخرون، فهذا طفل يبتسم ببراءة لقطة مرت أمامه، ورجل يعبس في وجه شاب كاد أن يصطدم به، وتمر فتاة تبتسم لهاتفها المحمول وتمحو الابتسامة بسرعة، وكأنها تذكرت أنه يجب عليها ألا تبتسم لتكون أكثر غموضًا.. وعابر وجهه كصفحة السماء لا تحمل أية تعابير تكشف باطنها..
وفي خوض التأمل والتفكر في تلك الوجوه العابرة؛ سقطت عيني على هاتفي، وتحديدًا تاريخ اليوم.. شهر جديد!! بالأمس فقط احتفل العالم بالعام الجديد، وهاهو الشهر الثاني منه تمضي أيامه، مضى الشهر الأول من العام كومضة لم تعطِ العين فرصة في أن تشعر بها!! مضى الشهر وكأنه وجوه العابرين، الذي لم يدع للعقل فرصة لتأمل عُمق الملامح وفهمها!
إن الأيام كالوجوه تمضي هادئة، تأخذ معها أوقاتنا وتفني أعمارنا دون أن نشعر بها، نعيشها في حيرة، وبحث عن شيء لا نعلم ما هو، وانتظار لمجهول لا حدود لواقعه، لنفيق فجأة وقد مضت من أيامنا دون أن نمسك منها شيئًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى