المقالات

الاعتزاز بالوهم

الاعتزاز بالوهم هي حالة يعيشها الإنسان عندما ينغمس في عالم من الوهم؛ فيصنع لنفسه صورة خيالية غير حقيقية ومبالغ فيها بشكل غير منطقي. فعلى سبيل المثال عندما تُنادي شخصًا ما لا تعرف اسمه الحقيقي؛ فتقول له: يا شيخ!! ويبدأ بعض الموجودين في المكان مناداته بـ”يا شيخ أو الشيخ” قد يكون هذا الوضع طبيعيًا مع البعض؛ بحيث لا يتأثر بهذه الكلمة، لكن هناك بعض الأشخاص ربما يصدق هذه الكلمة ويعيش حالة من الاعتزاز بالوهم بأنه فعلًا “شيخ” وهو في الحقيقة ليس بشيخ! (لا شيخ علم ولا شيخ قبيلة ولا شيخ مال ولا شيخ دلالين حلقة خضار ولا حتى شيخ بصل)!! وبدون شك أن هذا الأمر يؤثر على ذلك الشخص بشكل سلبي دون وعي منه ودون إدراك، فهو في هذه الحالة يعطي لنفسه قيمة اجتماعية أعلى من قيمته الحقيقية ويتصرف ويتعامل مع من حوله؛ بناءً على ذلك الوهم.

وعلى مستوى المنظمات ازدهرت في هذه الأيام عبارات رنانة ومفاهيم ومصطلحات جذابة مثل تطوير القيادات، التميز المؤسسي، الارتباط الوظيفي، بيئة العمل التشاركية، والتوازن بين الجنسين وغيرها من المفاهيم البراقة. ولا يشك عاقل في أهمية هذه المفاهيم ودورها في تطوير وازدهار بيئة العمل في أية منظمة ويكون ذلك عندما يسند أمرها لأصحاب الخبرة والاختصاص. لكن وبكل أسف أن معظم هذه المفاهيم أصبح يقف خلفها في كثير من الحالات مراكز ودكاكين وهمية لا يعرف القائمون عليها أبجديات الإدارة، ولا يملكون أبسط مقومات القيادة ولا أدنى متطلبات التميز ناهيك أن تتولى بنفسها تدريب وتأهيل لأجيال من القيادات؟ لكن مع بالغ الأسف أن من يتصدر المشهد في هذا الجانب هو من يستخدم أساليب الكذب والخداع ووسائل الاحتيال وقنوات الترويج وبصورة أكثر ممن يملك رؤية حقيقية واستراتيجية فاعلة للبناء والتنمية، وتطوير الموارد البشرية وتنمية الموارد المادية لبناء مستقبل حقيقي صادق بعيدًا عن المتاجرة بالمفاهيم والاستراتيجيات والمبادرات؛ لتحقيق المزيد من الاعتزاز بالوهم وتخفي تحت عباءتها صورًا متعددة من صور الفساد الإداري والمالي. وهذا هو الفرق بين الاعتزاز بالوهم على المستوى الشخصي وبين الاعتزاز بالوهم على المستوى المؤسسي؛ فالأول ربما يحاول أن يتقمص دور الشيخ ويخسر من ماله ما يرى أنه يدعم (مشيخته) ويعزز موقفه؛ فيبذل من المال على مظهره وملبسه ومأكله ومشربه، وربما أغدق المال على من يمدحه نثرًا أو شعرًا. بينما الاعتزاز بالوهم على مستوى المنظمات يبتلع أصحابها الكثير من أموال المنظمة للحصول على لقب مبهر أو تبني مبادرات ومشروعات وهمية تتورم بسببها حساباتهم البنكية.

*عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى