الباحة – تشرًف بحدمة دينه وقيادته ووطنه أكثر من ثلاثين عاما قضاها في العمل الأمني، بدأ مسيرته العملية من منطقة الجوف، واختتمها في منطقة الباحة، تدرج في الرتب العسكرية، وشغل العديد من المناصب القيادية والمهام والمسؤوليات.
ضيفنا في الحلقة الرابعة عشر من سلسلة زاوية “مواقف ومذكرات أمنية” العميد المتقاعد عبدالله حباب البقمي، الذى روى ذكرياته وتحدث عن تاريخه وخبراته، عبر هذا الحوار:
* في البداية.. عرّف القراء الكرام على اسمك الكامل من خلال هويتك الوطنية، ومكان ولادتك ونشأتك وحياة الطفولة؟
عبدالله بن حباب بن بجاد القرفي البقمي، ولدت في محافظة تربة بمنطقة مكة المكرمة، نشأت في قرية العصلة التابعة لمحافظة تربة.
* أين تلقيت تعليمك في جميع مراحلك الدراسية؟
المرحلة الابتدائية في مدرسة سعيد بن زيد في قريتي العصلة، والمرحلة المتوسطة في قرية شعر التابعة لمحافظة تربة، وكذلك المرحلة الثانوية كانت في محافظة تربة.
* لماذا اتجهت للسلك العسكري دون غيره؟
كانت أمنيتي أن أخدم وطني في السلك العسكري، ونلت أمنيتي ولله الحمد.
* أين قضيت خدمتك العسكرية من بعد تخرجك من الكلية حتى تقاعدك؟
تم تعييني برتبة ملازم في شرطة منطقة الجوف عام ١٤١٥، وتدرجت في عدة مناصب؛ حتى تم نقلي إلى شرطة منطقة الباحة عام ١٤٢١.
* عملت في العديد من المواقع وتوليت العديد من المهام والمسؤوليات ماذا تعني لك هذه المراحل، وما الذي اكتسبته من كل مرحلة؟
– نعم؛ عملت في الكثير من المحافظات والمخافر والإدارات والشعب والأقسام، وقد كسبت الكثير من الخبرة في حياتي العملية؛ وخدمت فيها وطني، وخدمت من خلالها المواطن والمقيم على حدٍ سواء.
* يُصادف ضابط التحقيق بعض القضايا المعقدة التي تحتاج إلى جهد وتفكير عميق في فك رموزها.. ما هي القضية التي لا زالت عالقة في ذاكرتك؟
– كثير من القضايا لا تزال عالقة في الذاكرة؛ سواء كانت قضايا اعتداء على النفس؛ أو ما دون النفس، أو المال العام أو الخاص وخلافها، لا أستطيع ذكرها؛ ولا أحصيها.
* من خلال عملكم الأمني لا بد من مصادفة بعض المواقف.. ما هي أبرز المواقف التي لا زالت عالقة في الأذهان؟
هنالك الكثير من المواقف؛ ولعل أبرزها ما أستطيع حله عن طريق الإصلاح، خاصة المشاكل الأسرية، عندما أقوم بإنهاء المشكلة قبل أن تتطور؛ وقبل أن تأخذ الطابع النظامي؛ أكون سعيدا للغاية، فالأسرة هي نواة المجتمع، إذا اختلت اختل المجتمع، وإن بقيت متماسكة فالمجتمع بخير.
* لا بد أنك نلت شرف المشاركة في مهمة الحج.. اذكر لنا أبرز ما يُصادفه رجال الأمن من مواقف في مثل هذه المواسم؟
نعم، شاركت في مهمة الحج عدة مرات، سواء في الجانب المروري أو الجانب الجنائي، وأبرز ما يواجهه رجال الأمن في الحج خدمة ما يزيد عن مليوني حاج؛ بكافة أشكالهم؛ وجنسياتهم، ولغاتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، ومعتقداتهم، وميولهم؛ ومذاهبهم، ومع ذلك فإن رجال الأمن وخاصة رجال الشرطة بذكائهم وحنكتهم وخبرتهم يستطيعون التعامل مع كل هؤلاء في وقت وجيز، وفي مكان محدد، وهذا يستحيل أن تجده في أي دولة في العالم، وهذا شرف للملكة العربية السعودية وحكامها وأبناؤها، أن تستطيع إدارة تلك الحشود بهذا الشكل.
* كيف ترى الفرق في الإمكانات التي تقدمها الدولة -أيدها الله- في أول مشاركة لك في مواسم الحج وفي وقتنا الحاضر؟
الإمكانيات متغيرة ومتجددة من سنة لأخرى، فقد طورت الدولة -حفظها الله- الكثير من الأمور، فعلى سبيل المثال لا الحصر، استبدال الخيام القديمة سريعة الاشتعال بالخيام الحديثة ضد الحريق، وتطوير المستشفيات في المشاعر المقدسة لتتسع لعدد هائل من الأسرة، وكذلك استخدام القطار الكهربائي لنقل الحجاج حتى يخفف من الازدحام، بالإضافة إلى مشروع الهدي والأضاحي؛ وإيصال لحم الهدي والأضاحي للمحتاجين وبأسرع وقت، ومشروع مياه زمزم التي أصبحت في علب أنيقة، وأضحى الحصول عليها سهل للغاية؛ بدلا من الزحام على بئر زمزم في الماضي، وأيضا تطوير جسر الجمرات، وقطار الحرمين الشريفين، والكثير الكثير من الخدمات التي لا يمكن أن نحصيها.
* ماذا تعلمت من السنوات الطويلة التي قضيتها في مجال العمل الأمني؟ تعلمت الصبر؛ فمن لا يصبر لن ينجح.
* كيف ترى من يتعامل بالغلظة والشدة مع مرؤوسيه؟
لا أراه قائدأ ناجحا، فالعمل الأمني عمل تكاملي وتعاوني بين الرؤساء والمرؤوسين، وهذا لا يعني ألا يكون القائد حازما في بعض الأمور، ولكن الحزم من غير غلظة؛ ومن غير تجريح، يستطيع أن يحاسب المقصر بالنظام، ويستطيع أن يكافئ المجتهد، ويمسك العصا من المنتصف؛ ويترك بينه وبين مرؤوسيه شعرة معاوية التي لا تنقطع.
* بماذا خرج العميد عبدالله من خدمته العسكرية؟
بشرف خدمة وطني، وبمعرفة الرجال أمثالك؛ سأذكر لك مثالا، كل يوم يمر علي لابد أن أقابل الكثير من الأشخاص مثلي مثل غيري من الناس _، سواء في الأسواق أو في الإدارات الحكومية أو في المساجد والجوامع؛ وكثير منهم لا أعرفه؛ ولكن ما يثلج صدري أنهم يأتون للسلام علي، ويدعون لي بالخير والفلاح، بعضهم يذكرني بالخدمة التي خدمته إياها في مجال عملي، وبعضهم سمع بما أقدمه من خدمات لأصدقائه، وأتذكر بعضهم ولا أتذكر الكثير منهم، من كثرة ما يمر علي في العمل، وأن تجد كل من يقابلك يدعو لك؛ هذا أمر ليس بالهين، وتقول في نفسك: الحمدلله أنه يدعو لي، ولا يدعو علي
.* عملت بنهاية خدمتك العسكرية في إدارة الأمن الجنائي بشرطة منطقة الباحة.. ماذا تعني هذه الفترة؟
مثلها مثل بقية الأعمال التي كلفت بها، لا يوجد فرق.
* في ظل رؤية 2030 تم تمكين المرأة في خوض غمار العمل العسكري.. كيف ترى هذه النقلة؟
لم أتعامل معها؛ ولكن لاشك أنها في صالح العمل الأمني؛ خاصة فيما يتعلق بمواضيع المرأة ومشاكلها.
* ماذا يقول العميد عبدالله عن النقد الإعلامي الهادف البنّاء الذي من خلاله يتم إصلاح القصور فيما يقدم للوطن والمواطن من خدمات؟
النقد الهادف البناء شيء صحي، والعاقل يقول: رحم الله من أهدى إلي عيوبي، ولكن مثل ما تفضلت يكون نقد هادف وبناء وراقي؛ من غير تشهير ولا تجريح.
* بعد أن حلقت بنا في أجواء العمل الأمني كيف تقضي برنامجك اليومي بعد مسيرة 33 عامًا من العطاء؟
رجل الشرطة دائما عقله ووقته ليس ملكا كاملا له، حتى في إجازة نهاية الأسبوع والإجازات الرسمية للدولة؛ لا تنطبق عليه، الإجازات لغيره وهو عليه أن يرابط ويحافظ على أمن الوطن، فهو كالشمعة؛ تحترق لتضيء للآخرين، حتى أثناء خروجه المزعوم من العمل، فهو مرتبط بمقر عمله عن طريق الهاتف الجوال على مدار الساعة، يعطي التوجيهات، ويسمع من مرؤوسيه لجميع ما يحدث في حدود عمله، أما الآن وبعد نهاية خدمتي على خير ولله الحمد، أصبحت أستطيع إغلاق هاتفي الجوال أثناء نومي، وأضحيت أحضر المناسبات والأعياد مع أسرتي، وأتبادل الزيارات مع أصدقائي، وجربت إحساس الحرية المطلقة.
* بماذا تريد أن تختم هذا اللقاء؟
اتقدم لك أخوي حسن بالشكر الجزيل على ما تقدمه في صحيفة “مكة” من تقارير إخبارية، ولقاءات مع رجال الدولة؛ سواء الذين لا يزالون على رأس العمل أو الذين أحيلوا للتقاعد، فلك مني جزيل الشكر والامتنان
.