تكونت لدى المملكة العربية السعودية خبرة تراكمية في إدارة الحشود، اكتسبتها من إدارة الحج والعمرة والحرمين الشريفين؛ حيث تدير السلطات السعودية بمختلف وزاراتها التجمعات الكبيرة من خلال تنظيم وإشراف دقيق، وباتخاذ إجراءات أمنية ولوجستية لضمان سلامة الحشود وأدائها لشعائر الحج والعمر بيسر وسهولة عبر التخطيط والتنسيق والتحكم في حركة وسلوك الأفراد في الحشود الكبيرة. باستخدام التقنيات الحديثة في إنترنت الأشياء والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي ببنية تحتية ضخمة لسرعة ودقة إدارة الحشود، باستخدام الكاميرات ونظام التحليل الذكي؛ لتحليل حركة الحشود والتنبؤ بالازدحامات، واتخاذ التدابير اللازمة. والتمكين لاستخدام تطبيقات الهواتف الذكية لتوفير المعلومات والإرشادات للحجاج، وذلك للحفاظ على الأمن والسلامة، والحد من الأضرار بالبيئة الاجتماعية والجغرافية.
وسعت المملكة بكل وزاراتها والمؤسسات التابعة لها إلى تطوير إدارة الحشود على أسس علمية وتقنية حديثة؛ مما جعل الجامعات تُساهم في هذا المجال؛ حيث قامت جامعة أم القرى بتدريس إدارة الحشود على أسس علمية عبر كلية إدارة الأعمال بتقديم درجة الماجستير في إدارة الحشود؛ تناولت فيه علم الحشود، وإدارة عمليات الحج والعمرة والتخطيط لذلك، بكيفية التعامل مع سلوك الحشود، وأنظمة النقل، وإدارة الإعلام والتواصل مع الحشود، بمهارات الاتصال بين الثقافات، ومستجدات ذلك، والاهتمام بالقضايا المعاصرة في الحج والعمرة.
كما اهتمت جامعة الملك عبد العزيز عبر معهد البحوث والدراسات الاستشارية بالتحول الرقمي في إدارة الحشود والتنقل بوضع عدة مشاريع ومبادرات: كمشروع تطوير منظومة التفويج الشاملة وإنشاء نظام لإعداد جداول التفويج آليًا؛ ومشروع تشغيل منظومة التفويج وإنشاء مفهوم برامج الحج وأتمته 11 عملية وتحويلها رقميًا؛ ودراسة حركة الحشود في حجر إسماعيل كمشروع نمذجة ومحاكاة ودراسة الحركة حول وداخل حجر إسماعيل -عليه السلام-. ومشروع إدارة الحشود في محطات قطار المشاعر؛ ودورات تطبيقية في إدارة الحشود: كالتخطيط واستخدام التقنيات الحديثة في إدارة الحشود، ومبادرة دراسة حركة الحشود في صحن الطواف أثناء ترميم بئر زمزم باستخدام تقنيات الرؤية بالحاسب، ومبادرة تحليل كاميرات العد في الجمرات بتطبيق تقنيات تحليل الصور بالذكاء الاصطناعي في كاميرات العد بمنشأة الجمرات، ومبادرة تحليل كاميرات الحشود في مزدلفة بمشروع منصة الحج الذكية، والجائزة الكبرى في تحدي كاوست بتطبيق التقنيات المتقدمة لبناء مراكز تحكم مبنية على البيانات والتحليل والذكاء الاصطناعي، وهذا ما وفر للمملكة خبرة وتميز في ذلك، وإنجاز بفرق عمل سعودية مؤهلة ومدربة، باستخدام الابتكارات التقنية الحديثة، ومرونة في التعامل مع المواقف الطارئة، باتخاذ معايير السلامة والجودة العالية؛ ولذلك ستكون المملكة مؤهلة لإدارة الحشود في الحج والعمرة المتوقع ارتفاعها مع رؤية 2030 إلى ثلاثين مليون حاج ومعتمر سنويًا، وكذلك إدارة الحشود السياحية المتوقع وصولها إلى 10 مليون سائح سنويًا، وكذلك إدارة حشود الترفيه المتزايدة بارتفاع مستمر في إعدادها، واستعدادها لإدارة الحشود في الفعاليات الدولية التي ستقام على أرض المملكة لمناسبات دولية سياسية واقتصادية ورياضية، وهذا ما وفر الكثير من فرص العمل للكوادر السعودية لإقامة وإدارة تلك الفعاليات.
– عضو هيئة تدريس سابق بقسم الإعلام – جامعة أم القرى