تلقينا في مجموعة التمكين الصحي رسالة من البروفيسورة سامية العمودي فحواها التالي: (السلام عليكم إخوتي وأخواتي، كان يوم واحد رجب هو آخر يوم في العمل في الجامعة خلال هذه الأربعين عامًا، عشت أجمل أيامي لكن حان الوقت لاستمرار العطاء في مكان آخر وتركيزي على إنشاء عيادة الناجيات من السرطان هو إحدى محطات حياتي، أشعر كالمولود الذي غادر رحم أمه حيث الدفء والأمان لكنها سنة الله وكنت وسأبقى، وأموت وعشق التدريس وجامعتي وكليتي وقسمي يسري في عروقي، وأنا معكم مادامت الحياة وتحت أمركم دائمًا وأبدًا)
حين حطت عيني على رسالتها استوقفتني العبارات والذكريات مع هذه الشخصية القيادية الفذة، والتي لها أثر في حياتي. تسمرت يداي عن الكتابة وعقلي على كيفية الرد على من اعتبرها قدوة في الإنسانية وقمة في العطاء. لملمت ذكرياتي وكان ردي عليها كالتالي:
(وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. عظيمة كلماتك بروف سامية وقفت عليها وتأملت فيها كثيرًا، حقيقة لم تطأ عيني على كلمات مثلها، أخذتيني نحو تاريخكم العريق الذي سطرتيه خلال ٤٠ عامًا من عطاء وجهود مميزة وواضحة المعالم ليس فقط لكلية الطب بل على جميع من صادفك في مشوار حياته. أخذتيني معك لبلاغة الوصف (كالمولود الذي غادر رحم أمه) ورغم صعوبة الولادة ولكن جمالها أن فيها بداية لمرحلة أجمل بعونه تعالى.
تعلمت منك الكثير ومازلت أتعلم ودومًا أعتبر معرفتي بك إحدى النعم التي حباها الله لي فشكرًا لله ثم شكرًا لقامة علمية وأخلاقية مثلك وتظلين من النساء القياديات في حياتي، والتي كان لها أثر وتأثير. بروفسورتنا سامية أمضي في طموحاتك التي ليس لها حدود ونتمنى لكي التوفيق والسداد حيثما كنتِ ونتطلع لمد التواصل الجميل مع شخصكم القدير).
طبعًا هناك ردود من الأعضاء في المجموعة قصيرة وطويلة جدًّا كلها كلمات تفيض منها المحبة والفخر والاعتزاز بالبروفيسورة سامية؛ فكان مضمون الرسائل يصب في عدة محاور أساسية كالشكر والتقدير والامتنان/ قوة التأثير وترك الأثر الشخصي والمهني / الإشادة بروح العطاء في رحلة الحياة.
كلنا أجمعنا رجالًا ونساءً على احترامنا وتقديرنا لها أكيد لأسباب ضمنية قد يعرفها البعض والآخر قد لا يعرفها. فبداية معرفتي بالبروفيسورة سامية بدأت خلال تواجدي في بريطانيا فترة الابتعاث للدراسة، وكنت حينها أتقلد منصب المشرفة العامة لشؤون المبتعثاث والمرافقات في بريطانيا وإيرلندا للأندية السعودية، وكنت أتطلع للتنسيق لحضور قيادة نسائية إلى الطلبة المبتعثين وإبراز الدور النسائي القيادي والتحفيزي. لذلك كان أهم ركيزة في الاختيار أن يكون لها قوة التأثير والتحفيز؛ فجهزت قائمة من عدد من القياديات وعلى رأسهم البروفيسور سامية. تواصلت مع البعض وكانت الردود الأولية منهم متفاوتة في السؤال عن التذاكر، ومن يغطي التكاليف للسفر والفندق، وكان الاستفسار الأول من بروف سامية عن تفاصيل الهدف والفائدة المرجوة من اللقاء. وهنا رأيت منها أهم سمة للقائد وهي تحديد الهدف، وبنفسها شرحت لي لماذا ترغب أن تعرف المزيد عن رغبتي في التنسيق. واستشعرت بشيء لم تقله صراحة بلسانها، ولكن نفذته بأفعالها وهو ما يحتاجه كل شخص في بداية طريقه أن يدعمه الآخرون حينما لا يراه الآخرون.
والمدهش أيضًا أنها وضعت خطة متزامنة لتواجدها في لندن؛ لتوسيع دائرة الاستفادة من الرحلة، وهنا تعلمت النظر خارج الصندوق معها.
لكم أن تتخيلوا مدى سعادتي كمبتعثة ستتعامل مع البروفيسورة التي يعرفها الجميع، تناقش وتحاور في القنوات الفضائية والتقت بالملك عبدالله بن عبد العزيز -يرحمه الله- وبلورا بوش زوجة الرئيس الأمريكي. أجلس معها وتحاكيني عن تجاربها وأهدافها الطموحة لن تتخيلوا مدى تأثيرها العجيب على حينها ومازال السحر قائمًا.
حين عودتي من البعثة ورجعت لجامعة الملك عبد العزيز، وبما أنني وبروف سامية نعمل في نفس الجامعة كان للقدر أن يجمعنا مرة أخرى في التعليم، ورفع الوعي بسرطان الثدي والتمكين الصحي، وشهدت منها الكثير خلال التعامل مع فرق العمل، والتي غالبًا تقودها وتؤكد فيها للجميع ضرورة أن ندعم بعضنا البعض؛ فهو طريق للإنجاز والنجاح.
وجدت سمة تجمعني بالبروف سامية، وهي حب الكتابة وتقريبًا كل كتب الدكتورة سامية قرأتها وأكثر كتاب يعجبني لها بعنوان: (مذكرات امرأة سعودية) وأشجع كل امرأة ورجل لقراءته لما فيه من التجارب الحياتية والدافعية الداخلية التي تجعلك تدرك وتتعلم كيف من الممكن أن تجعل من الأزمة فرصة. أما السمة الأخرى المميزة لدى بروف سامية وأتمنى اكتسابها ولكني مازلت أتعثر فيها هي ملكة التوثيق، فحينما تتطلع لكتبها أو مكتبها وأي قطاع أو وحدة تعمل فيها ستشاهد عددًا من الصور والوثائق والمستندات وتبرزها بشكل احترافي وجميل لتعكس قصة وغاية. شاهدت كذلك لدى بروف سامية سمة خلال تعاملها مع الفريق، وهي الاهتمام في حفظ المكانة الأكاديمية والمنصب الإداري والتقدير الذاتي، فعلى رغم أنها ذات مكانة علمية وتعي تمامًا مكانتها، ولكنها تعطي كل فرد صغير وكبير حقه أيضًا من حيث الحدود النظامية في المخاطبات والتسلسل الهرمي.
فشكرًا عنان السماء بروف سامية إلى آخر رسالة قرأتها لك تضعي هدفًا وطموحًا لما بعد وبذلك تستمرين في إدهاشنا، ومازلنا نتعلم من بحر علمك ورقي تعاملك.