حفلت المدينة المنورة بعدد كبير من المؤرخين الذين كان لهم دور في تطور الكتابة التاريخية، واتضحت معالم المدرسة التاريخية المدنية، ومن أبرز الذين أسهموا في تكوين ملامح المدرسة التاريخية الزبير بن بكار (ت256هـ ) في كتابه (أخبار المدينة)، وأبي زيد عمر بن شبه البصري (ت262هـ) في كتابه (أخبار المدينة المنورة)، وأبي طاهر يحيى بن الحسن الأعرج (ت277هـ) في كتابه (أخبار المدينة)، ومحمد بن موسى المراكشي (ت823هـ) في كتابه (تاريخ المدينة)، وأحمد بن عبدالله باعنتر (ت1091هـ) في كتابه (تاريخ المدينة)، ومحمد عاشق الحنفي (ت1012هـ) في كتابه (تاريخ المدينة)، ومحمد بن عبدالله الحسيني المعروف بكبريت (ت1070هـ) في كتابه (الجواهر الثمينة في محاسن المدينة).
وبلغت تقريبًا عدد المؤلفات التاريخية التي ألفت عن تاريخ المدينة تجاوزت السبعمائة مؤلف تناولت التاريخ المدني ومتعلقاته، وأهم ما ميز هذه المدرسة التاريخية هو أن أقطابها كان أغلبهم من المدينة عاشوا وولدوا فيها، وقد خصوا هذه المدينة الشريفة بأكبر قسط من جهودهم وألموا بأحوال أهلها؛ حيث بلغت الحياة الفكرية والتاريخية والأدبية فيها ذروة النضج والازدهار.
كما أسهم مؤرخوها بإضافة مواد تكمل ما كتبه السابقون، وهكذا تضافرت جهود السابقين واللاحقين في هذه المدرسة في التاريخ لبلدهم، وهناك ميزة برزت في هذه الفترة، وهي الاهتمام من مؤرخي المدينة بأكثر من علم وعدم قصر اهتمامهم على علم دون آخر؛ فكانوا فوق غزارتهم في المباحث التاريخية وبراعتهم في الرواية على تعلم بعض العلوم الأخرى كالحديث والفقه والتفسير والجغرافيا، ومنهم من ينضم لسلك الحفاظ.
والقارئ لكتاباتهم يلحظ أنهم شكلوا مدرسة تاريخية مستقلة عن غيرها ، كما عنوا بتدوين الأخبار المستقاة من المصادر الرئيسية، وتتبعوا حوادث المدينة أولًا بأول، وكتبوا عنها حسب مشاهداتهم ومروياتهم، وما يصلهم من معلومات، وامتازت بالتوسع والعُمق والامتداد والشمول حتى شملت الكتابة التاريخية عددًا من المدن في الحجاز، وصار أكثر المؤرخين ينتسبون إلى بلادهم أو مدنهم التي ظهروا فيها.
واستمدت في كتابة تاريخها على الأصول الإسلامية ومصادرها، وأصبحت تتكئ على خطوط هذا المنهج ونظرياته، وتعتمد أغلب مؤلفاتها خاصة في تاريخ السيرة والمغازي على الحقائق الإيمانية المسلمة، مع مراعاة ورصد كافة العوامل دون تضخيم لبعضها أكثر من حجمها وتأثيرها الحقيقي.
0