المقالات

جاهزية التعليم للمستقبل

يُعدُّ التعليم أحد مرتكزات التنمية المستدامة في تهيئة الأجيال وإعدادهم للحياة، وتنشئتهم ليكونوا مواطنين يشاركون في نهضة مجتمعهم ويسهمون في تنميته، وهذا يتطلب الوعي بأهمية التعليم ونشره، وتطوير أساليبه، وتحسين جودته، والاستفادة من التجارب الرائدة التي تجعل التعليم يتماشى مع توجهات العصر في إيجاد متعلمٍ قادرٍ على البحث عن مصادر المعرفة المفتوحة، وصناعة المعرفة المتوافقة مع متطلبات العصر؛ لكي ينمِّي قدراته ومواهبه، ويخلق لديه القدرة على تنمية مهاراته التي تحقق مستهدفات التنمية المستدامة، والمساهمة في ذلك وفق أهداف المجتمع وقيمه ومبادئه.
وتُعدُّ المدرسة إحدى الوسائل التي تحقق أهداف التعليم وسبل تطويره، بكونها بيئةً جاذبةً للطلاب ومحفزةً لهم. ولكي تحقق أهدافها المنوطة بها؛ ينبغي أن تكون على استعداد وجاهزية للمستقبل القريب أو البعيد الذي يحمل في طياته الكثير من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في ظل الانفتاح الثقافي والتقني على العالم الذي أصبح يهدد الثقافات التي لا تستطيع التأقلم مع هذه المتغيرات، والتي تُبنى أهدافها على قيم المجتمع ومعتقداته، وتُقدم بأسلوب يتناسب مع العصر وتوجهاته من خلال استشراف المستقبل ورسم السيناريوهات التي يمكن بواسطتها التنبؤ بمدرسة المستقبل المأمولة ومعلّميها؛ حتى تصنع الفرق في المجتمع وتقدمه.
فمدرسة المستقبل لا بد أن تكون مبدعة، علاوةً على كونها مكانًا لإنتاج المعرفة وتشجيع التفكير العلمي والاستدلالي والمنطقي والنقدي، وكذلك لا بد لمدرسة المستقبل أن تكون ذات قيمٍ تربويةٍ تسهم في بناء منظومة الأخلاق والقيم المجتمعية لدى المتعلم، فهي بيئةٌ تعليميةٌ ديناميكيةٌ تتيح مساحة واسعة للمشاركة والحوار، ومن ثم اتخاذ القرارات المناسبة التي يستطيع بواسطتها المتعلم بناء شخصيته وتكاملها.
وأن تكون بيئةً متطورةً علميًا وتكنولوجيًا، يسود فيها التعليم المستمر والمستدام، وتعتمد على التقنيات الإلكترونية وتطبيقاتها الرقمية في جميع عمليات التعليم، وتدرب الطلاب عليها، وإرساء مفهوم الجودة الشاملة وفق معايير الأداء العالي ومؤشراته؛ لتحقيق جودة الأداء، وتقديم تعليم متميز يحقق القدرة التنافسية في الاختبارات، وتكوين الاتجاهات الإيجابية نحو التعلم والمدرسة.
وأن تُمارس المدرسة صلاحياتها الإدارية والمالية ضمن أطرِ عملٍ تتبنى قواعد العمل المؤسسي المهني باحترافٍ وفاعلية، كما تتبنى الانفتاح على المؤسسات المجتمعية المختلفة من خلال بناء علاقة تشاركية داعمة لجميع أطراف العملية التعليمية المعلم والمجتمع، تحترم القيم وتؤصلها في الطلبة، وتغرسها في نفوس الناشئة.
وحتى تتحقق أهداف مدرسة المستقبل في نُظمها وأُطر عملها؛ لا بد أن يتماشى المعلم مع هذه التطورات، وأن يتم تدريبه على الأدوات والتقنيات التي تساعده في تحقيق ذلك، ومن أهم صفات معلم المستقبل:
– ⁠أنه يكون قادرًا على التعامل مع معطيات التكنولوجيا الحديثة وتسخيرها لخدمة العملية التربوية؛ بالإضافة إلى القدرة على التصاميم التفاعلية القادرة على تحفيز الطلاب نحو التعلم وزيادة الدافعية نحوه، وأن يملك مزيجًا من المهام المتعددة؛ فهو المربي والقائد والمدير والناقد والمستشار والمفكر، وهو القادر على استثارة دافعية المتعلمين وشغفهم بتوفير بيئة التعليم الملائمة، فضلًا عن قدرته على القيام بأدوار متعددة كإدارة الصف، وعرض المحتوى التعليمي لمادته بصورة جيدة تتناسب مع التطورات التكنولوجية الحديثة، والبحث عن المعرفة، وتشخيص المشكلات ووضع الحلول المناسبة لها.
وأن يسعى إلى تنمية مهاراته وقدراته ومعارفه باستمرار، فضلًا عن تنمية منظومة القيم والأخلاق لدى الطلبة من خلال القدوة الصالحة، وامتثال القيم وتأصيلها في سلوكه، بوصفه ميسرًا ومسهلًا لعملية التعليم، وخبيرًا في إدارة التعلم، ويمتلك القدرة على إدارة الصف وتفاعل الطلاب فيما بينهم، علاوةً على امتلاكه لاستراتيجيات التقويم البديل التي من خلالها يحقق أهداف التعليم في جميع الجوانب المعرفية والمهارية والوجدانية.
وأن يكون قادرًا على التفاعل مع الطلاب وإتاحة الفرصة لهم للمناقشة، وإقامة علاقات إنسانية معهم وتشجيعهم على الحوار والاستماع والإنصات، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على التعلم.
إن ما يميز مدرسة المستقبل هو امتلاكها المناهج المتطورة المرتبطة بتنمية مهارات التفكير لدى المتعلم، فضلًا عن حرصها على جعل الطالب محور العملية التعليمية من خلال تطبيق استراتيجيات التدريس التفاعلية التي تجعل المعلم صانعًا للإنجاز، وقادرًا على بناء شخصية المتعلم الذي يهتم بالمستقبل والحاضر بانطلاقه من الماضي بخبرات جديدة ومتطورة. كما ينبغي أن تكون المناهج مرنة وذات علاقة بفلسفة المجتمع ومتطلباته.
وعليه، فإن استشراف المستقبل وفق هذا التصور لمدرسة المستقبل ومعلميها يتطلب تطوير وتحسين بيئة التعلم في جميع عناصرها المختلفة وفق استراتيجية ورؤية تحمل في مضامينها متطلبات المستقبل وتوجهاته في الإدارة والمعلمين والبيئة المدرسية والمناهج وكافة تلك العناصر من خلال تطوير المنظومة التعليمية بكافة أركانها؛ حتى يتكامل التطوير والتحسين وتتحقق الجودة في التعليم، بنجاح الخطط الاستراتيجية في تحقيق أهدافها من أجل صنع جيل المستقبل المتسلح بالمهارات الحديثة التي تمكّنه من خدمة وطنه ومجتمعه، وتحقيق الإنجازات التي يتطلع إليها على أفضل المستويات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى