المقالات

” حاتم علي ” سقوط الأندلس

حين تقرأ تفاصيل رحلة الكاتب والممثل والمخرج حاتم علي الفنيّة ستدرك قيمة أن تتخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل بدمشق 1986م .

تتقصى خطواته الأولى وهو يقف لأول مرة في مشواره الفنَي أمام كاميرا المخرج “هيثم حقَي ” في مسلسل دائرة النار عام 1988م وكأنها ذات النار التي أوقدت معها فتيل حاتم علي لينطلق نحو فضاءات النجومية ، والابهار في عالم التمثيل بأكثر من 28 عملاً فنيَاً نحو عالم من الموشّحات الحاتمية والتألق والدهشة نحو الإخراج التلفزيوني منتصف التسعينات بعدما سلك طريقاً مختلفاً عن سابقيه حيث كانت عبقريته التمثيلية وثقافته العظيمة ورسالته السامية رافداً لأن يصبح المخرج المفكَر المبدع المبتكر الذي حمل هموم مجتمعه المحلي والعربي والإسلامي فمنذ أن طرق باب الإخراج الفنَي وهو الاستثناء والاختلاف والنجاح وتجلَت بصماته جليَة واضحة منذ البدء وذلك من خلال حلقات المسلسل الكوميدي الشهير ” مارايا 99 ” مع الممثل القدير ياسر العظمة والمسلسل الكوميدي الآخر ” عائلتي وأنا ” من بطولة دريد لحام وسلمى المصري .

كان صانعاً للدراما وعرَاباً للتاريخ وإختزالاً للثقافة العربية والإسلامية إلى جانب قدرته الفنية الكبيرة وإعادته لتشكيل التاريخ العربي والإسلامي عبر مسلسلات تاريخية في غاية العمق الفني والإبداعي والثقافي والتراجيدي وبصورة فنيّة يستحال على غيره الإتيان بمثل ما فعل ، فقد شكَل ثنائياً خرافياً مع الأديب والمؤلّف البارع الدكتور وليد سيف ، وجعل من الأساطير والروايات والملاحم العربية القاطنة في بطون كتب التاريخ مشاهداً وبطولاتٍ ومسلسلاتٍ عملاقة على الشاشات العربية ..

هو الزير سالم وحرب البسوس والثأر بعدما نكأ جرحاً نازفاً في جسد الدراما العربية ، ولم تكن تهدأ حرب البسوس حتى وجدنا أنفسنا في ثلاثية الأندلس حيث صقر قريش عبد الرحمن الداخل يكتب تاريخ دولته الأموية الأم في الأندلس .. هو ربيع قرطبة ونبوغ محمد بن أبي عامر وطموحه نحو قصر الخلافة .. ! هو الفصل الحائر بين كل الفصول الأربعة ، وهو ملوك الطوائف حيث نرى صورة بانورامية لدويلات الأندلس ومجلس وولادة وابن زيدون والتنائي بعد التداني .. !

هو صلاح الدين والدولة الأيوبية ومعركة حطين وانتزاع القدس !
هو الرهان العظيم في سيرة الفاروق ومقولة التاريخ يا مرسول كسرى .. هو الصمود في وجه الاحتلال هو الرسوخ في وجه العدوان هو القضية الثائرة من أنقاض مخيمات اللاجئين في التغريبة الفلسطينية ، وهو آخر عصور الملكية في عهد الملك فاروق ، وهو الفارس الذي جعل من الدراما العربية واجهة ثقافية عالمية !
هو الأحلام الكبيرة التي ولدت في البيوت الشامية عبر “ندى الأيام ” هو سفر الفضاءات الرمادية في الرحيل الصدمة الذي لم نستوعب فقده كأنه امبارح !
هي الموشَحات الحاتمية الخالدة والتي وقفت كجبل شامخ يصعب الوصول لقمته ، وإن تركة بحجم ما تركه لنا المخرج حاتم علي هي أشبه بسقوط الأندلس .

ومضة : إنّ ترسيخ وتكريس اللغة العربية بهذا العنفوان الفاخر والقيمة الجمالية الباذخة في قلب الهوية الوطنية الأم والثقافة الإسلامية ومعتقداتها العظيمة ؛ يعد نصراً عظيماً أمام كل مستعمرات الانسلاخ وتكتلات الاستلاب ، وما روائع ” الزير سالم ”
و ” الفاروق عمر ” و ” ربيع قرطبة ” و” صقر قريش “و” ملوك الطوائف ” و” التغريبة الفلسطينية ” ،
و ” صلاح الدين الأيوبي ” إلا تأبيناً عظيماً أمام تاريخنا العربي والإسلامي العظيم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى