قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) (النساء: 145) ما أقسى أن يُنافقك شخص ما، ويظهر لك المودة والمحبة والألفة، بل ويقنعك بأن ما يصبو إليه في جميع خطواته وتحركاته، هو السعي في مصلحة الناس ورفع الظلم عمن وقع عليه الظلم، حتى لو كان ذلك الظلم وقع من أقرب أقربائه، كلامه جميل ومعسول، ويوهمك بأن قلبه مملوء بالتقى والطيب والعدل والرحمة، فتطمئن أنت لطيب ذلك القول؛ لأن مظهر صاحبك يدل على التقوى والالتزام، من خلال اللحية الطويلة والثوب القصير والمسواك الذي لا يكاد يُفارق فاه، وفي الآخر تكتشف بأن ذلك الشخص يضمر ما لا يظهر، وأنه مجرد من خصال التقوى الحقيقية التي كان يتلبّس بها، فهو إنسان انتهازي ومراوغ، ورجل له حظوته في دعم الباطل بأسلوب سحري، وحجة جاذبة وكأنها تُوحي بصدق ما يقول، يوهم المتلقي بقوة تأثيره وإقناعه، له منطق ناعم يستطيع تمريره بخبث على كل من يقابله من المعنيين، فيوهم الجميع كما أوهمك بأنه إنسان تقي ورجل ورع يبحث عن الحق لتحقيق العدالة، بينما هو في حقيقته أفعى سامة ملمسها ناعم وسمها قاتل، دائمًا يتمظهر بصفات الكمال، وينفش ريشه كالطاووس في مجالس الطيبين، الذين تنطلي عليهم ألاعيبه وخبثه، هذه النوعية من الرجال هم الشر المستطير فاحذروهم، هم المخادعون الذين يضللون الناس عن معرفة الحقائق، لا يسلم منهم لا زميل ولا جار ولا قريب ولا بعيد؛ لأن ذلك المنهج الحقير هو منهج حياتهم القذرة التي يشعرون من خلالها بالتفوق وتحقيق الذات..
هذه النوعية من الناس لم يفهموا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما قال: (انْصُرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا) فقال رجل: يا رسول الله، أَنْصُرُهُ إذا كان مظلومًا، أرأيت إِنْ كان ظالمًا كيف أَنْصُرُهُ؟ قال: «تَحْجِزُهُ -أو تمْنَعُهُ- من الظلم فإنَّ ذلك نَصْرُهُ»؛ ولهذا تجد صاحب ذلك المنهج الشيطاني، لا يتردد في نصرة أحد أقاربه، ولكن ليس كما ورد في الحديث بردعه ومنعه عن الظلم، وإنما بدعمه ومساندته في الاستقواء على ظلم الناس، والاستمراء في أكل حقوقهم بالباطل، فبئس هذا المنهج، وبئس صاحبه المتلون، والمتلبس بلباس الدين، دون أي خوف من الله أو مراعاة لحقوق الناس، فحق الناس محفوظ عند الله -جل وعلا-، ولن يغفره إلا صاحب الحق، ومهما طال الزمن وتمادى الباطل، فالموعد يوم الحساب عند عزيز مقتدر..
0