المقالات

نداء عاجل لوزارة الثقافة.. المكتبات العامة

بعد عودتي من الابتعاث -وقد مرّ عليها أكثر من عقد من الزمان- لم أفتقد شيئًا كما افتقدت المكتبات العامة الكنديّة التي تميزت بها كلّ الأحياء التي سكنت بها في أكثر من مدينة خلال سنوات البعثة في كندا ، وقد أبهرتني؛ إذ تعدّ المكتبات مكانًا رائعًا للتعرّف على المدينة هناك، إنّها مراكز ثقافية ومجتمعية، حيث يمكن لزائر المكتبة أن يقوم بالتعرّف على مجموعات القراءة، وقراءة الصحف المحلية التي بتُّ من خلالها أطّلع على آخر الأحداث المحلية أو العالميّة، وعلى فعاليات المدينة التي أعيش فيها، كما كانت توفّر مجموعاتٍ وأكوامًا من الكتب للتّصفح وقضاء أوقات طويلة في العطل الرسميّة في فترة ما بعد الظهيرة إلى الساعة العاشرة مساء في بيئة مكانية جميلة مميّزة.
يوجد في كندا (642) نظام مكتبة عامة مع (3350) فرعًا، يزور الكنديون المكتبة أكثر من مليون مرّة في السنة. ولعلّ من أكثرها إثارةً لدهشة للزائرين المكتبة العامة في تورونتو، وهي الأكثرُ ازدحامًا في كندا حيث تضم أكثر من (2.8) مليون مستخدم.
وممّا أسعدني حينها أني تمكّنت من قراءة عدد كبير من الكتب والروايات باللغة العربية من مؤلفات غازي القصيبي، والعقاد، وأشعار خالد الفيصل، ومجلات عربية كثيرة جدًا؛ إذ ضمّت كتبًا ومؤلّفات بكلّ لغات العالم تقريبا كيف لا، وكندا تعدُّ دولة المهاجرين من كلّ أصقاع الأرض.
جعلت وزارة الثقافة المكتبات مكانًا لا يحوي أنفس وأكبر مجموعات من الكتب الحديثة والكلاسيكية فحسب، بل جعلتها تحفًا هندسيّة معماريّة توفّرُ لمسات فنيّة مذهلة لمناظر المدينة النابضة بالحياة، وتتنافس المكتبات في روعة التصميم، وجماليات الأمكنة، وتنوع أركان القراءة واستخداماتها حسب احتياجات مرتاديها، ويوفّر نظام المكتبات زمن الإعارة من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع حسب درجةِ حداثة الكتاب وأهميته. في كندا (642) نظام مكتبة عامة مع (3350) فرعًا، ويزور الكنديون المكتبة أكثر من مليون مرّة في السنة. ومن أكثرها إثارة للدهشة المكتبة العامة في تورونتو، وهي الأكثر ازدحامًا، حيث تضم أكثر من (2.8) مليون مستخدم.
ولعلّ من أروع الفروع التي لن أنسى تصمميها الفارهَ كقصرٍ حديث، الفرع المركزيّ لمكتبة فانكوفر العامة في مقاطعة كولومبيا بكندا، حتى أصبح لجماله وروعة تصميمه رمزًا للمدينة، وقد صممه المهندس المعماري موشيه صفدي، هو مبنى حديث على مدرج روماني. فهو مكان جميل للاستكشاف من قِبل الأسرة وكذلك تنظّم الرحلات المدرسيّة إليه، بل أصبح مزارًا لسيّاح المدينة، حيث يضم ردهات جيدة التهوية وسلالم حلزونية. كما تعدّ مكتبة Thomas Fisher Rare Book Library واحدة من أكثر المباني شهرة في مدينة تورنتو. إذ أصبحت معلمًا سياحيًا وعلميًا؛ ففيها بعضٌ من أندر الكتب على وجه الأرض، ويعدّ شكسبير من بين المؤلفين “المقيمين” فيها. وإذا عدنا من رحلتنا إلى المملكة العربية السعوديّة، فسنجد أنّ مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض، لا تقلُّ عنها جمالًا وروعة، فلا يملّ الزائر من التجوّل في جنباتها والاستمتاع بما فيها من مجموعات مميزة من الكتب والمراجع.
تقوم المجالس البلدية في كندا بمسؤولة تعيين مجالس المكتبات العامة، وتوفّر معظم التمويل للمكتبات (دولارات الضرائب البلدية). وتتكوّن صيغة التمويل من مزيج من التمويل الإقليمي والبلديات على أساس حجم السكان. وعند سؤال الكنديين أنفسِهم عمّن قام بتمويل معظم المكتبات تكون الإجابة: إنّه رجل الصناعة أندرو كارنيجي، حيث كانت هذه المكتبات واحدة من المؤسسات الخيرية العديدة التي قام بها كارنيجي في القرن التاسع عشر، فبين عامي (1886 -1919) تجاوزت تبرعاته (40) مليون دولار، وهي تكاليف بناء (1679) مبنى لمكتبات جديدة في المجتمعات الكبيرة والصغيرة في جميع أنحاء أمريكا. فعلّم وساعد الملايين،
هذه المكتبات العامة في كندا ذات التعداد السكانيّ الضئيل مقارنة بالمساحة الشاسعة جغرافيًّا، تقدّم للزائرين شكلا جاذبا للغاية بأيدي مبدعين من المعماريين والمصممين المواطنين، فتمتزج الخطوط المذهلة المعمارية مع آلاف الكتب القديمة والحديثة لتشكّل مزيجًا مثاليًا.
إن وجود مكتباتٍ وطنية تفتح أبوابها طوال أيام الأسبوع للعامّة والأطفال، ولعقد اللقاءات العلميّة والثقافيّة، وتعزيز المبادرات المجتمعيّة أمرٌ ترفيهيّ، ثقافي، علميّ واجتماعّي، ولا أبالغ إنْ قلت إنّ المكتبات ملاذٌ للباحثين عن قديم الكتب وحديثها، فكم من مرّة استعرتُ العديد من الكتب العربية النادرة من إحدى مكتبات شارع بانك ستريت في أوتاوا، بالإضافة لقضائي أوقاتا طويلة مع صغاري داخل المكتبة متجولة بين ردهاتها وأرففها، أو مستمعة في مكتبة الأطفال، وهي سمة من سمات المكتبات العامة الكندية.
ستخلق المكتبات ملاذا فكريّا للأطفال، والبالغين، والشباب، والرجال، والنساء مهما تقدّم بهم السنّ، لو تمّ تأهيلها لذلك، وهي دعوة لرجال الأعمال لدعم المشاريع الخيرية الوطنية التي يبقى أثرها وتتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل. وتجدر الإشارة إلى وجود مكتبة جميلة للغاية داخل تحفة فنية معمارية في المنطقة الشرقية في مبنى إثراء المعرفة، قد يكون نموذجا لمكتبات أخرى في المدن كافة في كل حي لتعزز القراءة الورقية وتنعش الاطلاع المعرفي الذي بات الجيل الجديد المفتون بالتقنية والتواصل الاجتماعي مقلا بها لتكون ملجأ مناسبًا للباحثين عن المتعة والمعرفة من المواطنين والمقيمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى