شهد قطاع التعلّم والتعليم خلال السنوات الأخيرة تطوُّرات ملحوظة بفعل تطوُّر التكنولوجيا، وأصبح البحث على شبكة الإنترنت جزءًا من التعلّم المدرسي، كما حلّت الأجهزة اللوحية محل الكتب أو بعضها في المدارس، ولكن كل هذه التطوُّرات التي أدهشتنا بالأمس القريب، قد تفقد بريقها أمام ما هو مُرتقب من دخول الذكاء الاصطناعي قطاع التعليم، الأمر الذي بدأ يطل برأسه فعلًا واعدًا بتحوُّلات غير مسبوقة في مجال هذا القطاع، وسنطرح بعض جوانب تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم والتدريب وتوظيفه في حل بعض ما يوجهه من تحديات.
فالذكاء الاصطناعي في العموم هو فرع من العلوم والتكنولوجيا الحديثة، يهدف إلى زرع الذكاء البشري في الآلات المصنوعة، لتكون تلك الآلات قادرة على أداء الوظائف المخصصة بشكل أكثر كفاءةً وذكاءً، وقد تم استخدام مصطلح الذكاء الاصطناعي لأول مرة في كلية دارتموث المنسوبة لجامعة رابطة آيفي الأمريكية عام 1956م، ليصف هذا المصطلح قسم (العلوم وهندسة صناعة الآلات الذكية، وبرامج الحاسوب الذكية).
وقد بلغت التطورات في تكنولوجيا التعليم مبلغًا لم تشهده من قبل، واليوم يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا أساسيًا في مساعدة الطلاب والمعلمين على تحسين وأتمتة مهام التعلم والتدريس، ومع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي فإن مساهمته في عملية التعليم والتدريب سوف تتزايد وتتعزز (صبحي،2022)، وفي سبيل تحقيق ذلك لا يمكن أن يؤدي الذكاء الصناعي وظيفته في مجال التعليم بدون توافر البنية التحتية اللازمة لذلك، وتتضمن هذه البنية الأساسية سرعة إنترنت عالية ومتوفرة، وتغطية شاملة ذات تكلفة معقولة، كذلك يعتمد نجاح وفعالية استخدام الذكاء الصناعي في التعليم على مدى توافر المعدات الرقمية وتدريب الموظفين الفنيين المختصين، يُضاف إلى ذلك ضرورة تأمين وحماية البيانات الضخمة التي يتم التعامل معها.
كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي يُلغي الحاجة إلى التدريس وجهًا لوجه؛ حيث يمكن للمتعلمين اكتساب المعرفة بشكل مستقل عن الزمان والمكان، ونتيجة هذا التعلم المستقل يتم فقد الاتصالات الشخصية والمدرسية، وهو ما يؤدي إلى إهمال الاتصالات الاجتماعية والعزلة، وبالتالي غياب الشعور الجمعي والتضامن في أوساط المجتمع على المدى البعيد، وبالنظر إلى المهام الأساسية للمعلمين وهي دعم الطلاب وتعزيز التنمية الشخصية لهم، بالإضافة إلى نقل الخبرات وتقديم الإرشاد الاجتماعي الى جانب الإرشاد العلمي، لهذا فإن المعلم سواءً كان في مدرسة أو جامعة أو قاعة تدريب ليس مُجرد وسيط لنقل المعرفة وحسب، ولكنه أيضًا عنصر أساسي في تطوير الشخصية ونقل القيم الاجتماعية.
ولمعالجة هذه الإشكالية فهنالك مقترحات لاعتماد النموذج المختلط في التعليم الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في دعم المتعلمين وتوسيع خياراتهم إلى جانب المعلمين الذين يقومون بدورهم التقليدي في توجيه وإرشاد المتعلمين، وإبقاء الروابط والاتصال الاجتماعي بينهم قائمًا. وبشكل عام يفترض الخبراء أن الذكاء الاصطناعي سيغير كثيرًا في مهنة التدريس، لكن المهنة نفسها لا يمكن استبدالها أبدًا؛ حيث سيقدم الذكاء الاصطناعي مساهمة مهمة في المؤسسات التعليمية في المستقبل، ولكن لا يمكن أن يأخذ بالكامل دور المعلم أو أن يحل محله.
وسنذكر هنا بعض أنواع تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وطرق توظيفها في مجال التدريب ودعم تطبيق التطور المهني الموجه ذاتيًا من خلال دعم التعلم التنظيمي داخل المدرسة في مستوياته، وهي كالتالي:
1) البيانات الضخمة لتطوير خدمات وأنشطة التدريب:
مفهوم البيانات الضخمة، وهي عبارة عن مجموعة أو مجموعات من البيانات بمختلف تصانيفها لها خصائصها الفريدة (مثل: الحجم، السرعة، التنوع، التباين، صحة البيانات)، والتي لا يمكن مُعالجتها بكفاءة باستخدام التكنولوجيا الحالية والتقليدية لتحقيق الاستفادة منه (البار والمرحبي، 2018)؛ حيث يستفاد منها في تخزين البيانات وموثوقيتها وإزالة الأخطاء ومراقبة جودتها وغيرها من المميزات التي تؤدي إلى اتخاذ قرارات أفضل.
وبناءً على ذلك يمكن للجهات المشرفة على عمليات التدريب سواءً (وزارة /إدارة/مدرسة) استخدام البيانات الضخمة للتعرف على الاحتياجات التدريبية لمنسوبيها عبر تحليل بياناتهم التدريبية، وبالتالي تقديم سيناريوهات مستقبلية لتقديم البرامج التدريبية وفق الاحتياج العالي، وبالتالي علاج بعض أوجه القصور، والذي سينتج عنه تقليل التكلفة، وبالمقابل زيادة كفاءة العمل.
2) إنترنت الأشياء لتطوير خدمات وأنشطة التدريب:
مفهوم إنترنت الأشياء يُقصد به الجيل الجديد من الإنترنت (الشبكة) الذي يُتيح التفاهم بين الأجهزة المترابطة مع بعضها (عبر بروتوكول الإنترنت)، وتشمل هذه الأجهزة الأدوات والمستشعرات والحساسات وأدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة وغيرها، ويتخطى هذا التعريف المفهوم التقليدي، وهو تواصل الأشخاص مع الحواسيب والهواتف الذكية عبر شبكة عالمية واحدة، ومن خلال بروتوكول الإنترنت التقليدي المعروف، فما يميز إنترنت الأشياء أنها تتيح للإنسان التحرر من المكان، أي أن الشخص يستطيع التحكم في الأدوات من دون الحاجة إلى التواجد في مكان محدّد للتعامل مع جهاز معين (ويكبيديا ،2023)، ويستفاد منه في استمرارية العمل ومنع التوقف عن العمل باستخدام بيانات مستشعر إنترنت الأشياء من أجل الرؤية والصيانة في الوقت الحقيقي للآلات والأصول الأخرى، ومن ذلك تطبيق التعلم التفاعلي؛ حيث يتم إقران معظم الحقائب التدريبية على مواقع على شبكة الإنترنت التي تشمل موادًا إضافية كأشرطة الفيديو والتقييمات والرسوم المتحركة وغيرها من المواد لدعم التدريب.
كذلك من تلك التطبيقات التعليمية، إنشاء كتب غرافيك ثلاثية الأبعاد التي تتميز بوجود مقاطع الفيديو، تطبيقات السبورة الذكية، أجهزة الهواتف الذكية وأجهزة الحواسيب اللوحية، الكتب الإلكترونية التي توفر وسيلة أفضل للتدريب، نظام الحضور المبنى على إنترنت الأشياء، وجميعها تحتاج إلى نظام (Software) للدمج بينها؛ لذا تبقى خدمات التخزين السحابية هي الخيار الأمثل في هذه الحالة؛ فهي توفر إمكانية مزامنة البرامج التدريبية، وتسهيل الوصول إليها من أي جهاز داخل مراكز وقاعات التدريب الذكية.
3) الويب المحيطي لتطوير خدمات وأنشطة التدريب:
مفهوم تقنية الويب المحيطي التي تشتمل على المستندات أو أجزاء من المستندات، تصف العلاقات الصريحة بين الأشياء والمعلومات أو المواقع، وتحتوى على معلومات دلالية تم تجهيزها خصيصًا لتفهمها برمجيات البحث والتصفح وهي تعتمد على مبدأ البيانات المشتركة، فعندما تعرف معلومة معينة يمكنك ربطها بمعلومات أخرى تتماثل مع المعلومة الأولى أو تشرحها أو تفسرها أو تحددها، بشرط أن تحدد علاقة الربط أي أن الويب الدلالي عبارة عن تبادل البيانات من خلال أكواد وصف العلاقة بين المعلومات، ثم معالجة هذه البيانات بشكل منطقي استدلالي تحليلي (النجار. د.ت).
فالأثر الذي قد يحدثه إدخال نظام الويب المحيطي في التدريب من وجهة نظر مهنية كبير للغاية بالنظر إلى مميزات الويب المحيطي المتقدمة؛ مما سيوفر كثيرًا من التطبيقات الناجحة في العملية التدريبية يمكن إجمالها فيما يلي:
– يُتيح تحويل المكان إلى واقع افتراضي تفاعل المتدربين بصورة كبيرة ومتعة أكثر كتلك المتعة التي يعيش فيها واقعًا افتراضيًا في الألعاب الإلكترونية.
– يتيح فتح أكثر من نافذة للمتصفح على جدران القاعة التدريبية وبناء مجموعات نقاش متنافسة ومبتكرة؛ سواءً باستغلال المساحة أو طريقة توزيع مجموعات النقاش وجعل مجال للحرية والتحكم بصورة أكبر.
– يوفر جهدًا ووقتًا للمدرب في جذب انتباه المتدربين، ويمكن من اختصار الزمن للانتقال من مرحلة إلى أخرى في المادة المعروضة باعتبار هذه النوافذ المتعددة كواجهات عرض.
– استغلال الأسطح في القاعة التدريبية كالطاولات لفتح نوافذ الاختبارات الفردية أو جدران الغرفة للاختبارات الجماعية والمسابقات.
– إيصال المعلومات ولمس حقيقتها يكون بصورة أعمق كالتجارب العلمية في المختبرات عبر الخرائط والبيئة الجغرافية والتضاريس، عالم الفضاء والكواكب، البحار وكائناتها…
– استغلال الويب المحيطي في نشر اللوائح والأنظمة للمدربين والمتدربين داخل مراكز التدريب واستغلالها كمثابة لوحة إعلانات كبرى.
4) النُظم الخبيرة لتطوير خدمات وأنشطة التدريب:
مفهوم النظم الخبيرة هو برنامج مصمم لينفذ مهامًا متعلقة بالخبرة البشرية؛ حيث يحاول النظام الخبير القيام بعمليات تعتبر عادة من اختصاص البشر ويتضمن الحكم واتخاد القرارات (ويكبيديا ،2023)؛ حيث يمكن من خلالها جمع المعلومات الخاصة بعمليات التدريب التربوي (المدخلات – العمليات – المخرجات)، وتبني خبرة متراكمة وذاكرة تمكنها من الربط بين معلومات الماضي الخاصة بالبيانات التدريبية للمدربين والمتدربين ومعلومات الحاضر، كذلك معالجة المعلومات والخبرات واستنتاج النتائج ووضع سيناريوهات مستقبلية للخطط التدريبية والاحتياج العالي من البرامج التدريبية وأخيرًا إصدار القرارات.
5) الروبوتات لتطوير خدمات وأنشطة التدريب:
مفهوم الروبوت عبارة عن آلة صُممت من خلال نظام هندسي يجعلها تعمل كبديل للأيدي العاملة البشرية رغم مظهرها غير الشبيه بمظهر البشر إلّا أنّها قادرة على أن تؤدي الوظيفة المطلوبة منها بالطريقة التي يؤديها البشر (أبو العافية،2021)، والمقصود هنا الروبوتات التعليمية وخصوصًا في مجال العلوم والرياضيات لما لها من قدرة في عملية حل المشكلة وتنمية التفكير الإبداعي لتساعد على الابتكار والسرعة بكفاءة عالية وبتكلفة قليلة، فالتدريب من خلال الروبوت والاستفادة منه لم يعد ترفًا زائدًا، بل حقق الكثير من الأهداف التربوية التعليمية المرغوبة. (نمر، 2022)
آليات توظيف تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في معالجة بعض المشكلات المرتبطة بعمليات التدريب والتطوير المهني للمدرسة:
1. سيكون من السهل التعرف على الاحتياج الفعلي للتدريب في (المدرسة /المنطقة) من خلال استخدام البيانات الضخمة، وبالتالي حل مشكلة الفاقد التدريبي وترشيد الإنفاق والوصول إلى كفاءة الأداء.
2. عن طريق إنترنت الأشياء يمكن استخدام السبورة الذكية وتطبيقات الحاسوب والكتب الإلكترونية؛ مما يُقلل من تكلفة الطباعة والهدر، وكذلك الصيانة والمشاكل المترتبة عليها من تعطل العمل.
3. كسر الحالة في القاعة التدريبية وزيادة تفاعل المتدربين باستخدام الويب المحيطي وتحويل القاعة لواقع افتراضي يساعد على المتعة وايصال المعلومة بصورة أعمق للمتدربين، كما يساعد على تعدد مجموعات النقاش وفق المتصفحات مما يختصر الزمن أثناء تقديم المادة المعروضة، وبالتالي استثمار للوقت والذي من خلاله يستطيع المدرب تنفيذ عدد أكبر من البرامج التدريبية ضمن خطته التدريبية، ومعالجة مشكلة التزاحم على توزيع القاعات التدريبية في الخطة التدريبية.
4. استخدام الروبوتات في البرامج التدريبية المتخصصة كالرياضيات والعلوم لتُساعد على تقديم حلول مبتكرة في التجارب المتعلقة بالتخصص.
5. معالجة مشكلة فقد المعلومات والبيانات المتعلقة بالمتدربات والمدربين باستخدام النظم الخبيرة، ومعرفة حصول المتدرب على العدد المسموح له من البرامج التدريبية، والتي تساعد كذلك على إعطاء سيناريوهات مستقبلية للاحتياج التدريبي العالي، وبالتالي تساعد على بناء الخطط التدريبية بطريقة ممنهجة.
مقترحات وتوصيات لتفعيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في عمليات التدريب والتطوير المهني للمدرسة:
• دمج مقرر مستقل لتقنيات الذكاء الاصطناعي في المراحل التعليمية والتدريب عليه.
• نشر ثقافة الذكاء الاصطناعي واستخداماته وتطبيقاته من خلال البرامج التدريبية التنويرية.
• تجهيز البنية التحتية لمراكز وقاعات التدريب بما يناسب استقبال وتنفيذ تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
• عقد شراكات لإيجاد مصادر تمويل لقاعات ومراكز التدريب لتحويلها إلى قاعات ومراكز ذكية.
• وضع رؤى استشرافية عن أهمية إدخال الذكاء الاصطناعي في عمليات التدريب.
نسأل الله -عز وجل- التوفيق والسداد
نجلاء بن مصري
المراجع
أبو العافية، فاتنة. (2021/يوليو/27). الروبوت. https://mawdoo3.com .
البار، عدنان، المرحبي، خالد.(2018/ديسمبر/1). البيانات الضخمة ومجالات تطبيقها. https://www.awforum.org/index.php
صبحي، هبه. (2022). الذكاء الاصطناعي في التعليم وأهميته في تطوير مخرجات التعليم. كوركت. https://arblog.qorrectassess.com
النجار، سيد.(د.ت). الويب مفهومه ومكوناته وأدواته. https://www.google.com/search مسترجع بتاريخ 24/فبراير/2023.
نمر، انسام. (2022). الروبوت التعليمي. دار الي