تلقيتُ اتصالًا هاتفيًا من زميل يُخبرني فيه بأن أخي الكريم معالي الأستاذ الدكتور “بدران بن عبد الرحمن العمر” قد انتهت فترة تكليفه بإدارة جامعة الملك سعود، والتي امتدت لاثنتي عشر عامًا، لمعرفة ذلك الصديق بالعلاقة التي تربطني بمعالي د. بدران.
أكثر من عقد من الزمان حقق فيها معالي الدكتور بدران الكثير من النجاحات في المجالات البحثية، والإبداعية، وريادة الأعمال، والأوقاف الجامعية، وخدمة المجتمع، ناهيك عن التدريس والتعلم -تبارك الرحمن ما شاء الله-.
كان معاليه يؤمن بدور الجامعات العظيمة، والتي وصفها عالم الاجتماع الأمريكي “جوناثون كول”، بأنها الجامعات التي مخرجاتها ليست من المتعلمين، بل من الرواد والمفكرين، وبهذه العقلية قاد معالي الدكتور بدران جامعة الملك سعود، فأصبحت بفضل الله، ثم بدعم الدولة -حفظها الله-، وبجهد معاليه من الجامعات العظيمة.
لهذه الشخصية الاستثنائية الكثير من الصفات الحميدة؛ فهو يتميز بخلائق محمودة اصطفاه بها مُقسم الأرزاق، على درجة عالية من التواضع، والوفاء والطيبة، عذب الحديث، حسن الطباع، ينطبق عليه قول شاعر النيل حافظ إبراهيم:
فإذا رزقت خليقة محمودة : : فقد اصطفاك مقسم الأرزاق
فالناس هذا حظه مال وذا علم : : وذاك مكارم الأخلاق
شخصيًا لي مع معاليه الكثير من المواقف الجميلة؛ أقربها منذ أقل من ثلاثة أشهر تلقيت اتصالًا هاتفيًا من مدينة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، وكان على الجانب الآخر من الخط أحد زملائي في جامعة ويلز ببريطانيا أثناء البعثة، الدكتور حميد البنا أستاذ التربية في جامعة الشارقة سابقًا، ذكر لي أنه حضر ملتقى أقيم بالشارقة، وكان بجانبه معالي الدكتور بدران يتكلم مع زميل له من المملكة، وهو لا يعرفهم غير أنه سمعهم يشيدون بي وبوفائي معهم، وأذكر أنه أنهى المكالمة بهذه العبارة: “هنيئًا لك أبو مشرف بهؤلاء الزملاء”.
من المواقف التي لا زالت في الذاكرة، أننا بعد انتهاء جلسة مجلس التعليم العالي، كان معاليه يصر على دعوتي لتناول طعام العشاء في أحد مطاعم الرياض المشهورة، وكنت أظهر له عدم رغبتي، على الرغم من شغفي لتناول العشاء معه؛ لأننا نقضي أوقاتًا جميلة خارج هموم وغموم العمل الإداري. آخر مرة شرفت بمقابلة معاليه من ثلاثة أشهر عند زيارتي لمدينة الرياض؛ لحضور حفل تكريم معالي الدكتور خالد العوهلي -رحمه الله-، آخر موعد سفره للخارج، وأصر على استقبالي في مكتبه بالجامعة، وكان كما عهدته رجل مواقف.
أذكر أنه كان من أوائل الحضور في حفل تكريمي بعد انتهاء فترة تشرفي بقيادة جامعة أم القرى، ولا زالت في ذاكرتي كلماته الرائعة التي قالها وأشادت بي أثناء في الحفل.
رغم مشاغله إلا أنه لا يمر أسبوع إلا وأتلقى منه اتصالًا، أو رسالة على الواتس، يسأل عني وعن أحوالي، أذكر عند وعكتي الصحية التي مررت بها من ثلاث سنوات، وذهابي إلى لندن للعلاج، كان دائم الدعاء والسؤال والاستفسار، وكنت أشرف دائمًا باتصاله من مدينة مانشستر البريطانية أثناء تواجدي في مدينة لندن.
روح معاليه شربات كما يقول الإخوة المصريون؛ أذكر أنه كان متواجدًا في مدينة جدة في مهمة عمل، وصادف أن كان ليلتها مباراة بين الهلال والاتحاد، فدعوته لتناول العشاء في مسكني بمدينة جدة، وافق معاليه بشرط أن أكون هلاليًا ليلتها، ونزولًا عند رغبته أصبحت هلاليًا، وشاء القدر أن يفوز الاتحاد يومها على الهلال بأربعة أهداف، وإذا بمعاليه يصرخ قائلًا: “د. بكري أرجوك ابقَ كما أنت اتحاديًا”، وتبادلنا بعدها الضحكات.
لم أكتب كلمة ثناء واحدة وهو على رأس هرم الجامعة -وهو يستحق الثناء-، خوفًا من التفسير الخاطئ، أما وقد ترجل هذا القائد الفذ؛ فإن من واجبي أن أذكر مواقف هذه الشخصية الوطنية الاستثنائية معالي الأستاذ الدكتور “بدران العمر” وأقول: “لقد تركت أثرًا جميلًا سيظل يذكره الأجيال ويقولون، لقد مر “بدران” وهذا الأثر”.
0