المقالات

نساء خالدات.. الجوهرة بنت فيصل بن تركي آل سعود

كمنهج فكريّ أطرحه منذ عدّة سنوات في أيام الوطن وأيام التأسيس الدعوة إلى إعادة قراءة تاريخ المرأة السعودية التي صنعت وخلّدت أمجادًا تذكر وتشكر وساهمت بدور فعال حيوي وجوهري في تأسيس هذه الدولة المباركة و في أشدّ الأزمنة صعوبة من شظف عيش وجوع وفقر إلى جهل وخرافات… فكان لزامًا علينا أن نعيد إحياءها طرحًا ونقاشًا؛ لكي يعلمها الجيل الحالي، وفي هذا العام وفي مناسبة عظمية على قلوبنا هي يوم التأسيس لهذه الدولة المباركة، سوف أسلّط الضوء على شخصية فذّة قلّما قرأنا عنها هي سمو الأميرة الجوهرة بنت فيصل آل سعود- رحمها الله- عمّة المؤسّس الملك عبد العزيز- رحمه الله- الذي قال عنها: أحبتني أكثر من عيالها، كانت تضعني على حجرها في طفولتي وتنبئني بالأمور العظيمة التي سأحقّقها إذا كبرت، وكانت تقول” أنت ستحيي عظمة بيت ابن سعود.”
وقد ذكرت مصادر عديدة أنّ الأميرة الجوهرة بنت فيصل بن تركي، كانت من القلة ممن دعم المؤسّس في فكرة العودة لاستعادة الحكم بعد سقوط السعوديّة للمرّة الثانيّة. كما أكّدت مصادر تاريخية دوّنت تاريخ الجزيرة العربية أنّه بعد معركة المليدا ١٨٩١م- وهي معركة تاريخيّة بين قبائل شبه الجزيرة العربيّة -بقيت الجوهرة في الرّياض، ولم تغادر مع أخيها الإمام عبد الرحمن للكويت، وكانت تمدّ يد العون لأفراد أسرتها. وكانت تقيم معها ابنة أخيها سارة، وهي ابنة الإمام عبد الله بن فيصل؛ فتولّت رعايتها، وقد تزوجها الملك عبد العزيز أثناء قدومه إلى الرياض عام 1318هـ/1901م.
وقد اختلفت الروايات في تحديد مولد الجوهرة بنت فيصل؛ فمنهم من يقول: ولدت عام 1279هـ/1851م ، ومنهم من يقول: عام1267هـ/1851م. أمّا نسبها؛ فجدُّها الشيخ عبد العزيز بن حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر من جهة أمِّها، وهو من أبرز علماء نجد في القرن الثالث عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي، وأمُّها سارة، تزوّج بها الإمام فيصل بن تركي بعد عودته من مصر عام1259هـ/1843م خلال تواجده في سدوس قبل دخوله إلى الرياض، وقد أنجبت له مجموعة من الأبناء، لم يكتب لهم البقاء إلّا الجوهرة. وقد حظيت الجوهرة بعناية والدها الأمير فيصل بن تركي، ممّا أثر على شخصيتها حيث ألمّت بالتاريخ والسيرة النبويّة وسير تاريخيّة كثيرة، وحفظت القرآن الكريم، و تمكّنت من معرفة الاستنباطات الفقهيّة والسُّنة النبويّة. وحرصت على جمع الكتب والمخطوطات العلميّة، بل حرصت على وقفها ككتاب “حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح” لابن القيم الجوزيّة، وقد دوّنت عليه النصّ التالي: “وقفته الفقيرة إلى الله سبحانه الجوهرة بنت الإمام فيصل بن تركي على ما ينتفع به من المسلمين لوجه الله تعالى. فمن بدّله بعدما سمعه، فإنّما إثمه على الذين يبدّلونه، إنّ الله سميع عليم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. جرى ذلك في 1318هـ،” وهذا دلالة على حرصها الكبير على نشر العلم والمعرفة وترْك أثر لها فيمن حولها.
تزوّجت الجوهرة بنت فيصل من طلال بن عبد الله بن رشيد أمير حائل، ثمّ بعد وفاة زوجها تزوّجت مرّة أخرى من سعود بن جلوي بن تركي. وقد شهدت الصراع على الحكم بعد وفاة والدها عام1282هـ/1865م؛ فعملت على غرس العزيمة في النفوس؛ فكانت تُرسّخ في نفس ابن أخيها الملك المؤسس عبد العزيز ركائز الحكم. وحسبما ذكرت مصادر تاريخية كانت تردّد على مسامعه: “لا تكون عظمة بيت ابن سعود غاية مساعيك، إنّ عليك أن تجاهد لعظمة الإسلام، إنّ قومك لفي أمسّ الحاجة إلى قائد يرشدهم إلى طريق النبي الكريم، وإنّك أنت ستكون ذلك القائد”. وكان الملك المؤسس بارًّا بها، يزورها يوميًا مع كثرة أعبائه كما يزور والده، وكانت الجوهرة بدورها حريصة كلّ الحرص على زيارة أخيها عبد الرحمن يوميًا، وهذا دليل قويّ على عمق صلتها وشدة حبها له.
ونظرًا لرجاحة عقلها وحكمتها التي شهد لها بها كثيرون، كلّفها المؤسّس بعد توحيد السعوديّة بمهمتين رئيستين: الأولى تثقيف النّساء؛ إذ أوكل إليها الملك عبد العزيز مهمة تثقيف النساء في قصره، وتعليمهنّ التنشئة الإسلاميّة الصحيحة اتجاه العائلة وتربية الأطفال، والثانية: تقديم الاستشارة للملك عبد العزيز في تدبير شؤون البلاد، وفي بعض الأمور الخاصة بالأسرة والحكم، وذلك لخبرتها وسعة إدراكها ، كما اشتهرت الجوهرة بأعمالها الخيرية، منها “وقف العروس” إذ كانت تكسي العرائس بالثياب والحليّ فتدخل السرور على بنات المنطقة، وكان هذا العمل الخيري، يقابل العمل الخيريّ التطوعيّ بمفهومنا الحديث، كما كان منزلها مفتوحاً لأفراد أسرة والدتها؛ فعندما أصيب عبد الرحمن بن معمر في هجوم عبد العزيز بن متعب بن رشيد على الرياض عام1321هـ/ 1903م، قصد منزلها بحكم أنّه من خوالها آل معمر.
وقد اختلفت مصادر تاريخيّة في تاريخ وفاتها الفعلّي، لكن أكّد بعضُها أنّ وفاتها كانت بعد تأسيس هذه البلاد المباركة 1354هـ/ 1935م. بعد أن قرّت عينها بما سعت له طوال حياتها، فللّه درُّ الجوهرة ومَن مثلها من نساء خالدات سطّرن تاريخًا عظيمًا قلّما يتكرر. فكان لزامًا علينا إحياءه؛ ليدرك الجميع دور المرأة السعوديّة المخلصة في وضع اللبنات الأولى في تأسيس مملكتنا العظيمة، فاللهمّ اغفر لها وارحم الملك عبد العزيز المؤسس الفذّ الذي بنى بنيانا لم يكن سهلا، فصحّح العقيدة، وانتشل الجزيرة العربية من دمار وجهل ومرض وفقر، واغفر لوالديه وأجداده وأعمامه وعماته وأخواته وأولاده وبناته، ولكلّ ملوك هذه البلاد المباركة ورجالها ونسائها ممن بذلوا الغالي والنفيس لنعيش نهضة حقيقية في كلّ مجال وكلّ محفل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى