رغم الفارق العظيم والبون الشاسع بين ما نحن عليه الآن وما كنا عليه في الماضي قبل عدة قرون، إلا أننا كلما استرجعنا تاريخ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الإمام محمد بن سعود -طيب الله ثراه- فإننا نسترجع جميعًا أحداث الماضي ونتخيلها واقعًا قد عشناه؛ فالماضي هو قوة الزمن الباقية، وجاذبية الوقت المعمرة، وهو المفتاح الذي يفتح لنا أبواب الذكرى لنعبر به نحو ذلك المجد الخالد الذي نما وترعرع عبر ثلاثة قرون تحدينا فيها كل الصعاب، وأثبتنا لكل الأمم أننا استمدينا من رمال الصحراء قوتنا ومن شموخ الجبال عزتنا، وعشنا عبر هذه القرون أجمل معاني الاعتزاز والفخر بهذا الكيان العظيم، ونظرنا لقادته الشجعان نظرة إجلال وتقدير منذ انطلقت رحلة المجد والعز من الدرعية في 22 /1727/2 ميلادي؛ فمع شروق هذا التاريخ انطلقت الأمجاد والبطولات وسُطرت ملاحم الفخر والعز والسؤدد؛ فعاش أجدادنا فوق ثرى وطننا الغالي جيلًا بعد جيل حتى عانقنا النجوم وصافحنا الثريا في عصرنا الحاضر المجيد.
ومن هذا المنطلق فإن قرار الاحتفاء بتاريخ يوم التأسيس الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- يُعد أحد مفاخر هذا الوطن المعطاء، فهو قرار له أبعاده السياسية والتاريخية والثقافية والاجتماعية؛ فهو يؤكد لنا على مفهوم الدولة العميقة بجذورها التاريخية وذلك الإرث الحضاري لها، وكذلك يعدُ إبرازًا للبطولات التي قدمها الآباء والأجداد المؤسسون الذين يحق لنا أن نفخر بهم وأن نعيش بكل الزهو، عندما نتذكرهم فقد بذلوا الغالي والنفيس في سبيل توحيد هذا البلد المعطاء.
وختام القول.. فإن الدولة السعودية في أطوارها الثلاثة امتدت لأكثر من ثلاثة قرون، لا يفصلها عن بعض سوى فترات زمنية متقاربة، وما الاحتفاء بيوم التأسيس إلا دليل على مكانة هذه المناسبة الغالية على قلوب كافة أبناء الشعب السعودي؛ فهم من خلاله يتذكرون ماضي الأجداد وحاضر سلالتهم الأفذاذ، بل ويتعرفون فيه على إرث بلادهم التاريخي والحضاري متذكرين كل تلك التضحيات التي قدمتها حكومات هذه الدولة في أطوارها الثلاثة من أجل تأسيس دولة ذات مكانة وسيادة، فحري بنا أن نجعل احتفالاتنا بهذا اليوم انتماء وولاء لهذا الوطن وقيادته الرشيدة بعيدة عن كل ما يُخرج هذه المناسبة عن أهدافها النبيلة التي أُقرت من أجلها، وأن نتمسك خلال احتفالاتنا بمبادئنا وقيمنا وهويتنا التي نشأنا عليها منذ الجدود والمستمدة من كتاب الله الكريم وسنة نبيه الصادق الأمين، وأن نشكر الله ونحمده على ما من به علينا في هذا الوطن العطيم من أمن واستقرار وازدهار ورخاء.
همسة قلم:
من لا يُجيد قراءة ماضيه لن يعرف كيف يُسير حاضره، ولا يرسم مستقبله.