يقول رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم-: “الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها” (رواه الترمزي وابن ماجه من حديث أبي هريرة)، ومن أبرز مقتضيات الحكمة “حسن التقدير” للأمور في كل ما يواجهه الإنسان المسلم في حياته من مواقف وأحداث.
وإذا كان “حُسن التقدير” لا يُجيده إلا العُقلاء، فإن “سوء التقدير” لا يقع فيه إلا غير العُقلاء، وأكم من أناس سقطوا في رحلة الحياة بعد أن ذهب “حسن التقدير” مع الريح.
إن “سوء التقدير” خلل يقلب الأمور إلى أضداها، ويُفضي بالمقدمات إلى عكسها، ويجلب الخراب للعمار، والبوار للأعمال، لذلك دعانا القرآن الكريم، والسُّنَّة النبوية، إلى حسن التقدير، وإمعان التدبير، ودقة التخطيط، على بصيرة مستقصية، ونظرة متأنية، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” (الحشر: 18).
ومن أبرز الأمثلة على “حسن التقدير”.. حُسن التقدير في المعيشة.. ومعناها: وعي الأسرة – من أهلٍ وأبناء- بضرورة تنظيم عمليّة الإنفاق، وإدارتها بالشكل الذي يسمح بتلبية متطلّباتهم المعيشيّة وفق الأولويّات، التي تبدأ من الحاجات الأساسيّة، وصولًا إلى الحاجات الثانويّة، بما لا يسبّب عجزًا في ميزانيّة الأسرة، وبنحوٍ يتناسب مع مدخولها، ولا يؤدّي إلى الوقوع في محذور التبذير والإسراف، أو وضع المال في غير محلّه.
وتكمن أهمية “حسن التقدير في المعيشة” بثقافتنا الإسلاميّة، في جانبين مهمين: الأول.. “المسؤوليّة يوم القيامة”، إذ أن مِن أهمّ ما يُسأَل عنه الإنسان يوم القيامة، هو أمر معيشته، وكيفيّة صرف ماله الذي رزقه الله -عزّ وجلّ- إيّاه، وذلك وفقاً في الحديث عن أبي برزة الأسلمي – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسئل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه (رواه الترمذي).
أما الجانب الثاني، فهو “الحياة الصالحة في الدنيا”، حيث أن هناك ثمّة أمور عدة يتوقّف عليها صلاحُ حياة المؤمن بشكلٍ عامّ، ومنها حُسن التقدير في المعيشة، فقد ورد عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قوله: “التدبيرُ نِصْفُ العيشِ، والتَّوَدُّدُ نِصْفُ العقلِ، والهَمُّ نِصْفُ الهَرَمِ، وقِلَّةُ العِيَالِ أَحَدُ اليَسَارَيْنِ” (رواه البيهقي).
– مستشار مالي