بكل فخر وامتنان وولاء لهذا الوطن العظيم، وقيادته الرشيدة، نحتفل بذكرى يوم التأسيس السعودي الذي يُوافق 22 فبراير من كل عام وفقًا للأمر الملكي رقم (أ/371) وتاريخ 27 يناير 2022 الذي جاء «اعتزازًا بالجذور الراسخة لهذه الدولة المباركة، وارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها منذ عهد الإمام محمد بن سعود». وبهذه المناسبة العظيمة نرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وإلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- وشعبنا الكريم. ويأتي هذا اليوم الخالد ليبرز العُمق التاريخي والحضاري والثقافي للمملكة والإنجازات الوطنية الكبرى على مدار ثلاثة قرون من الشموخ والعزة والكرامة والتمكين؛ حيث يمثّل الذكرى الوطنية لتأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ (1727م) على يد الإمام محمد بن سعود – رحمه الله – وعاصمتها الدرعية، والتي منها بدأت ملحمة البناء والإنجاز بجهود جبارة للتغلب على التحديات الداخلية والخارجية، وإرساء الأمن في المنطقة، ثم تلاحقت صور التلاحم الوطني بين المواطنين وقيادتهم الذين ظلوا يمثلون طموح هذه الأمة، ووجدان الشعب الحي بما يولونه من اهتمام بالغ لتنمية الدولة السعودية وبنائها، وتطوير الهوية الوطنية لدى الأجيال الحالية والقادمة، واليوم تَحِلُّ هذه الذكرى العزيزة والمملكة العربية السعودية تشهد، في ظل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، نهضة حضارية شاملة وتمثّل منارة للمجد ومركزًا للقوة وعنوانًا للتقدم والتطوّر والازدهار السياسي والاقتصادي والدبلوماسي والاجتماعي والثقافي، والإعلامي والتكنولوجي؛ إضافة إلى المقومات الأصيلة التي تتمتع بها من ثقل استراتيجي إقليمي ودولي، وموقع جغرافي وجيوسياسي متميز، وثروات اقتصادية وبشرية هائلة، وتكنولوجيات حديثة ومتطوّرة، ومكانة دينية كقبلة للمسلمين في العالم أجمع. ورغم التحديّات والجوائح العالمية، والأزمات والتوترات الجيوسياسية، وفي حين تتفاقم المخاطر وتغلب التوقعات العالميّة المتشائمة؛ يتعاظم التفاؤل وتعانق الطموحات عنان السماء في المملكة وتُوظف جميع الطاقات بهمّة وتحدٍّ، وتسير المملكة بخطى وعزيمة ثابتة وواثقة وقوية نحو مُستقبلٍ مشرق بتحقيق أهداف رؤية السعودية الطموحة 2030 الرامية إلى تنويع الاقتصاد، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة، وتعزيز البنية التحتية وتوفير بيئة استثمارية جاذبة، بما يدفع نحو اقتصاد مزدهر يقود نحو مجتمع حيوي. وتمكنت المملكة بفضل سياساتها وحنكة وحكمة قيادتها من قطع أشواط مهمة على درب تحقيق التنمية المستدامة والتَمَوْقُع إقليميًا ودوليًا وقاريًا، وهي اليوم تعتبر من أكبر عشرين اقتصادًا بالعالم، وأكبر وأقوى اقتصاد بالشرق الأوسط، وأكبر مصدر للنفط بالعالم، وأكبر دولة مؤثرة باقتصاد العالم وهو ما مكّنها من الدخول إلى مجموعة العشرين الدولية ورئاسة قمة العشرين في 2020 تأكيدًا لمكانتها المحورية عالميًا، ولزعامتھا للعالم الإسلامي والتزامها الأخلاقي والإنساني وللدور الكبير والمؤثّر للقيادة الحكيمة محليًا وعالميًا، التي أثبتت للعالم أنها الأقوى والأنجح في قيادة الجهود الدولية على جميع الأصعدة والتعامل مع الأزمات في أصعب الظروف.
واستمرت مسيرة التقدم والتطور والنمو في مختلف المجالات، وعملت على الأسس الثابتة التي قامت عليها هذه البلاد المباركة من التمسك بكتاب الله وهدي نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، والحفاظ على وحدة البلاد وتثبيت أمنها واستقرارها مع مواصلة البناء والسعي المتواصل نحو التنمية الشاملة. كما جاءت هذه الرؤية لتستكمل هذا النهج حيث تميزت بأنّها رؤية متكاملة ربطت بين الاقتصاد ومفهوم الوسطية الدينية والحفاظ على البيئة والسياسة الخارجية والعلاقات مع الدول، بوصفها قواعد ثابتة للعلاقات؛ إضافة إلى التزامها بجملة من المرتكزات والثوابت التي ميزت سياستها الخارجية دائمًا وأهمها الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، وتعزيز دور المنظمات العالمية واحترام مبدأ السيادة والرفض الكامل والحاسم لأية محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية والدفاع المتواصل عن القضايا العربية والإسلامية ونصرة القضايا الإنسانية العادلة، والسعي الجاد لتحقيق التضامن العربي والإسلامي من خلال توحيد الصفوف ومواجهة المخاطر والتحديات؛ فضلًا عن السعي لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في العالم، ورفض أية ممارسات تُهدد الأمن والسلم الدوليين. كما التزمت الدولة بمكافحة الفساد والتطرف والإرهاب بجميع صوره وأشكاله والتصدي بكل حزم لمنطلقاته الفكرية، وتوضيح مخاطره ومحاولاته زعزعة الأمن والاستقرار. وتُمثل السعودية القلب النابض للأمة العربية، والركيزة الرئيسية لاستقرار المنطقة العربية والعالم وصمام أمان في مواجهة المخاطر والتهديدات ولجهود الحل السياسي، حيث تلعب المملكة عبر قنواتها الدبلوماسية المتوازنة وسياساتها المعتدلة دورًا محوريًا في إرساء دعائم الاستقرار والسلام وحل القضايا والأزمات في عدة دول ومنها: اليمن والسودان وسوريا، وأوكرانيا وروسيا، وتحقيق الأمن النهضة والتقدم لكافة شعوب العالم.
وتسعى المملكة إلى تحفيز الاستثمار الأجنبي في القطاعات المزدهرة مثل: البنية التحتية والسياحة والترفيه والطاقة المتجددة، وتهدف إلى أن تصبح مركزًا رئيسيًا للنقل والخدمات اللوجستية يربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا. كما حرصت على تحسين البيئة الاستثمارية لزيادة جاذبيتها للمستثمرين، وقدمت عددًا من المبادرات الاستثمارية العملاقة، تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة، والمؤسسات والشركات الرائدة. وتشمل مشاريع البنية التحتية المتعلقة بهذا الهدف إنشاء المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة المختلفة، والتي ستكون بمثابة محاور للبتروكيماويات والتعدين والخدمات اللوجستية والتصنيع والصناعات الرقمية والخدمات اللوجستية، وجذب سلاسل القيمة في الصناعات والتقنية، بما في ذلك المشروع العملاق نيوم وذا لاين، والتي تعتبر قاعدة انطلاق صناعة السياحة الناشئة.
واستشعارًا لدورها الإنساني تجاه العالم، واستلهامًا من رسالتها في المحافظة على كرامة الإنسان؛ انطلاقًا من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، سخرت المملكة اهتمامًا بالغًا في إغاثة المنكوبين ومساعدة المحتاجين، والمحافظة على حياة الإنسان وكرامته وصحته، ومد يد العون وتقديم الدعم والعطاء والمساندة للأفراد والدول الشقيقة والصديقة، من خلال مؤسساتها الإغاثية، ومنصاتها الخيرية، وحققت المملكة الريادة في حماية البيئة من خلال طرحها مبادرات محلية ودولية تعتمد على الطاقة النظيفة وتسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية، ومن أهمها مبادرتا السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، والتي تؤكد التزام المملكة العربية السعودية بجهود الاستدامة الدولية، وتسهم في زيادة قدرات المنطقة على حماية كوكب الأرض من خلال وضع خطة ذات معالم واضحة تعمل على تحقيق جميع المستهدفات العالمية.
وفي الجانب العلمي، حققت المملكة عدّة إنجازات علمية عظيمة لعل أهمها إرسال رائدي فضاء إلى محطة الفضاء الدولية، ضمن برنامج المملكة لرواد الفضاء، لإجراء تجارب علمية رائدة في الجاذبية بما من شأنه أن يسهم في تعزيز مكانة المملكة عالميًا في مجال استكشاف الفضاء، وخدمة البشرية. وتتويجًا لتحقيق المستهدفات التنموية والاقتصادية والمجتمعية لرؤية المملكة 2030 الملهمة، عملت المملكة على تطوير القطاع الرياضي بإصدار قرارات هامة أحدثت تغييرات جذرية، ومنها مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية.
وفي ضوء ما تقدّم، يتّضح أن ما حققته المملكة العربية السعودية من إنجازات حضارية وتنموية، يصعب حصرها، ساهم في تعزيز مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي، كما أنّ بصماتها الواضحة في إدارة الملفات المحلية والدولية بتميّز وحكمة واقتدار ساهم في ترسيخ وتعزيز دورها الريادي والمحوري والثقة الدولية التي تحظى بها، والذي يجعل منها وجهةً مثاليةً لاستضافة قمم عالمية وإقليمية ومحلية في تزامن مع أحداث دقيقة وحساسة ومنها قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية، وأعمال الدورة العادية الـ 32لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة (قمـة جدة)، وقمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول آسيا الوسطي، والقمة السعودية الإفريقية الأولى والقمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية في مدينة الرياض؛ وكذلك احتضان العالم في أبرز المحافل العالمية لعل أهمها معرض إكسبو الدولي 2030 وكأس العالم 2034. فهي مركز قيادي وواجهة دولية عظمى لاستضافة أكبر وأهم الأحداث العالمية في مختلف المجالات، بما تملكه من حنكة سياسية ومقومات اقتصادية وإرث حضاري وثقافي عظيم.
وفي الختام يمكننا القول بكل اعتزاز إنّ المملكة اليوم، وكما وصفها سمو ولي العهد – حفظه الله- تمثّل “أعظم قصة نجاح في القرن الـ 21” إذ إنّها تُنجز وتُنفّذ فـ”نحن لا نحلم نحن نفكر بواقع سيتحقق إن شاء الله”، ويرجع ذلك – بعد فضل الله وتوفيقه – إلى علاقة التلاحم والولاء الخالدة بين القيادة والشعب والانتماء لهذا البلد الطاهر الأمين، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ وطننا وقادته، وأن يديم على بلادنا نعمةَ الأمنِ والأمان والتقدّم والازدهار في ظلّ القيادة الرشيدة.
0