مبدأ تكريم الأحياء سنة حسنة أما بعد وفاتهم فهو تكريم لا علاقة لهم به وإنما هو مجاملة غير محمودة لأولادهم وربما أقاربهم ومعارفهم وفي بعض الأحايين يحضره من ليس بينه وبين المتوفى روابط صادقة بل بعضهم لم يكلف نفسه بزيارته وهو مريض أو التعزية من بعيد فضلا عن أن يحضر تشييعه وبالتالي فالمتوفى سيبقى ذكره لمن يعرف قيمته الاجتماعية والأخلاقية الذي يبقى الدعاء له أفضل من الاحتفاء به وهو تحت اللحود بعد أن كان حيّا ونال ما نال من النكران والجحود .
بالأمس القريب وفي بادرة أعتقد أنها لأول مرة تم الاحتفاء وتكريم رمز من رموز الإعلام يتمثل في شخصية عرفتها من أكثر من أربعة عقود تربويا ناجحا في مجال التعليم وصحفيا أكثر نجاحا في بلاط صاحبة الجلالة بدءا من مراسلا فمديرا لمكتب الجريدة التي ينتمي لها ثم مدير تحرير في المركز الرئيسي فنائب رئيس التحرير ثم رئيسا لتحرير تلك الجريدة التي لا تقل شأنا عن وصيفاتها بمنطقتها بوجه خاص وعلى مستوى الوطن بوجه عام نعم لقد عشنا أمسية إعلامية ثقافية أدبية لتكريم هذا الرمز إنه الزميل الصديق محمد علي الزهراني رئيس تحرير جريدة المدينة سابقا وأحد رموز التعليم في الباحة وجدة وكانت الفكرة عبارة عن مبادرة من مديري مكاتب الجريدة في المناطق وقد سعدت كثيرا بهذا التكريم الذي دعاني لحضوره الزميل عبد الرحمن أبو رياح مديرهم سابقا بالباحة وسعدت بمقابلة زملائه الكرام الذين استقبلونا خير استقبال وكانت فرصة للالتقاء بهم بعد مرور سنوات كثيرة من الانقطاع بسبب التحول للرقمية الإلكترونية بدلا من الورقية .
الحضور كان نخبويا بحضور الصديق الدكتور هجاد بن عمر الغامدي مدير عام التعليم بالباحة الأسبق والدكتور عبد الواحد بن سعود والزميل حسن الزهراني رئيس النادي الأدبي بالباحة وعدد من الأصدقاء الأعلام من منطقة الباحة حيث أعطى مقدم الحفل ومفتتحه أبو رياح بعد ترحيبه بالجميع فرصة التعبير عن صادق محبة الحضور وثنائهم على المحتفى به وبزميله الأستاذ علي يحي أبو القرون مدير تحرير جريدة المدينة سابقا والذي اعتذر عن الحضور لظروفه الخاص فكان الثناء عليه عطرا من المتحدثين الذين أبدوا سعادتهم بالتكريم كمبدأ إنساني مستحق وسردوا مواقف كثيرة كان فيها محمد الزهراني نعم القريب للقلوب المدافع عن حقوق الصحفي والموجه الحصيف لما يستقبل من مواد من المكاتب ومن الصحفيين المتعاونين والرسميين وكان الثناء عليه بمثابة شهادات عصر من هؤلاء الصادقين في محبتهم ومودتهم بعيدا عن اصحاب المصالح الشخصية التي قد تتضح في غياب من كان يبحث عنها في ثنايا وأطراف كراسي المسؤولية وما أكثرهم حضورا وأكثرهم غيابا بعد انتفائها التي قد لا يسلم منها الكثير في عصر البحث عن الذات وتضخيمها على حساب المبادئ والأخلاق في التعامل الصادق .
أبو أيمن قلت عنه ليلتها وحتى الآن تربطني به علاقة لقرابة نصف قرن وهو الأخ الذي لم تلده أمي – يرحمها الله – والذي قضى أكثر من أربعة عقود في العمل الصحفي بالذات في شتى ميادينه وكما كانت كلمته معبرة تخنقها العبرة وهو يلقي كلمته أمام الحضور وهو يقول : لقد قابلت الكثير من المسؤولين وزراء وأمراء وقادة في لقاءات صحفية ولم تتملكني الرهبة فيما أقف والكلام لأبي أيمن وأنا أرتجف والعبارات تتزاحم للشعور الذي ألبسني هذه المهابة أنا وأولادي وأرحامي في ليلة تكريمي مثنيا على الجميع شاكرا لكل من وقف بجانبه ليحقق النجاح الذي كان يصبو إليه بدءا من والديه ثم شريكة حياته وشقيقه .. الخ وكانت كلمته معبرة تعبيرا صادقا أمام الحضور بأن هذا التكريم ألبسه تاج الوقار والمحبة وسيبقى وساما على صدره ما حيي .
أما شريكه في التكريم الزميل علي يحي بالقرون فقد غاب بجسده وكانت روحه حاضرة وجهوده مذكورة مشكورة من المتحدثين وكنت أنا من بينهم بل شرفني ليلتها باستلام الهدايا الخاصة به فقلت للحضور: هذا شرف لي أقف مكان شيخ ابن شيخ اتقمص مشيخة الإبن صحفياً لا مشيخة الأب يحي بالقرون اجتماعياً شيخ قبيلة الأحلاف بزهران الذي يعتبر من أعلام منطقة الباحة صاحب البيت المفتوح للضيف والضعيف ومن شابه أباه ما ظلم فالأخ علي لي به علاقة عمل في جريدة الندوة قرابة عقدين قبل انتقل للشرق الأوسط مع الزميل القدير ماجد الكناني الذي كان عوناً لي لإظهار منطقة الباحة على خارطة الوطن المحلي والعربي ولنا ذكريات عمل مع الصحفي بالقرون في مقر الجريدة بمكة المكرمة مع ثلاثة رؤساء تحرير ناجحين بدءاً بحامد مطاوع مروراً بالدمنهوري -يرحمهما- الله وانتهاء بالدكتور عبد الرحمن العرابي -سلمه الله- بمكة وأثناء إدارتي لمكتب الجريدة ومراسلاً لها بالباحة وفي بعثات الحج التي اشتركنا في رئاستها وعضويتها قرابة عشر سنوات .
انعطاف قلم :
أبا أيمن وأبا بندر لقد تتلمذنا على أيديكما في صناعة الكلمة وتطريز حروفها في كل الأعمال الصحفية وفي مقالاتنا في جميع الصحف الورقية والإلكترونية وكنتما نجمان في سماء الصحافة المحلية وصلت للعربية في عمل دؤوب لخدمة الوطن وقيادته وسكانه بما يحقق الإعلام الرصين الموجه بعيدا عن التهور والانقياد خلف كل ناعق فشكرا لكما والشكر موصول لزملائكما الذين احتفوا بكما في ليلة إعلام من ليالي عروس البحر جدة .
0