المقالات

تأثير الانهزام النفسي على سلوكيات الأفراد

يُواجه الإنسان في حياته وفي طريقه الكثير من العوائق والعثرات التي تمنعه عن تحقيق حلمه، وقد تردعه عن مواصلة رسالته الحياتية ومشواره الذي لطالما حلم بتحقيقه، فالطريق للهدف ليس سلسًا كما يعتـقد البعض، بل به الكثير من العقبات؛ فيجب أن تُحسن التعامل معها وتتجاوزها لتحقق هدفك ومُبتغاك، وهذا ما قد لا يفعله الكثير من الأشخاص عند سماعهم للانتقاد الساخر السام على أحلامهم وآمالهم وأفكارهم، فتجدهم يتأثرون بهذه السموم ويُصادقون عليها دون أن يُعطي لنفسه حق التجربة والمحاولة لتحويل حلمه إلى واقع، ونتيجة التعرض مرارًا وتكرارًا لهذه الآراء المُحبطة وغير الإنسانية يبدأ هذا الشخص بالشعور بالإحباط وفقدان الأمل، فيتحول من شخصٍ فرحٍ حالم مُتفائل إلى شخصٍ كئيب بلا هدف ولا طموح، وهذا ما تشرحه وتفسره الكثير من النظريات الاتصالية في قوة تأثير أسلوب تكرار المحتويات على سلوك الفرد كنظرية “ماكلوهان” في الاتصال، وهذا حقيقه ما نخشاه أن يفقد الشخص قيمه هدفه وحُلمه من أجل مجموعة من الأشخاص المُحبطين الذين قيموه دون علم أو دراية أو تخصص، ومارسوا تقويم أحلامه وأهدافه على معايير غير صحية وغير سليمة، وللأسف لا يعي الناس تمامًا خطورة هذه الحرب النفسية، وهذه الصراعات الداخلية التي تتكون عند الفرد بسبب كلمة قد ذكرها مازحًا أو قاصدًا كانت كالرصاصة التي قتلت أحلام وطموح الكثير من الأشخاص، وهذا ما وجدته من صغيري السن والتجربة في مجال عملي من خلال حديثهم الذي كان يتسم بالانهزامية والتوتر والقلق والنابع من نفسٍ وروحٍ يائسة، وبعد الحديث عن أسباب هذه النظرة السوداوية التي تحدثوا بها كان السبب الرئيسي لها هو آراء من هم حوله عن أفكارهم وعن طموحاتهم المُستقبلية، ولا أخفيكم سرًا بأن هناك من وصل به الأمر إلى البكاء على حاله بسبب انتقادات بها تقليل وتهميش بهم حتى كونت صراعات نفسية بداخله جعلته يفقد الأمل في حياته تمامًا وشلت تفكيره، وحتى أوضح لكم مدى خطورة تسلل اليأس وفقدان الأمل والشغف ما قام به العالم “Curt Richter” بعمل تجربة على مجموعة من الفئران ليختبر أهمية العوامل النفسية وتأثيرها على السلوكيات على مستوى الأفراد والمجموعات؛ حيث قام بإحضار مجموعة من الفئران ووضع كل منها في إناء زجاجي كبير وممتلئ لمنتصفه بالماء، حتى لا يستطيع الفأر التعلق بمخالبه أو القفز خارج الإناء، وبعدها قام “ريتشر” بحساب الوقت الذي سيستمر فيه كل فأر في السباحة ومحاولة الخروج قبل الاستسلام للغرق، والنتيجة التي حصل عليها هو أن الفأر يحاول لمدة (15) دقيقة تقريبًا ثم يستسلم للغرق، قام بإعادة التجربة لكن مع بعض التغيير؛ حيث إنه كان عندما يرى الفأر في لحظاته الأخيرة وأنه على وشك الاستسلام كان يقوم بإخراجه من الإناء وتجفيفه ويتركه يستريح لبعض الوقت، وثم يضعه مرة أخرى في الإناء، فعل ذلك مع كل الفئران ثم أخذ يحسب متوسط الوقت؛ والذي وصل إلى أكثر من (60) ساعة وليس دقيقة، وهناك فأر استمر في الصمود والمحاولة لمدة (81) ساعة، فما توصل له العالم هو أن الفئران في المحاولة الأولى فقدت الأمل بسرعة بعد أن تأكدت أنه لا سبيل للخروج؛ في حين أن المرة الثانية كان لديهم خبرة سابقة بأنه هناك أمل وأنه في أي لحظة قد تمتد لهم يد العون لتنقذهم؛ لذا استمروا أكثر في انتظار تحسن الظروف، وهذا كان تأثير الأمل والتفاؤل على سلوك الفئران الفاقدة للعقل والأهلية، فكيف هو تأثيره على الإنسان العاقل الناضج الذي خُلق في أحسن تقويم !!

لذا حتى لا تصل إلى هذه المرحلة وتُحصن نفسك من هؤلاء الناقدين السلبيين الذين ينشرون العدوى الفكرية المرضية المُميتة الباعثة باليأس والإحباط والانهزامية، يجب أن تلتزم بإجراءات احترازية ووقائية وهي
أولًا التركيز على الهدف والسعي على تحقيقه، والابتعاد عن التحدث عنه أمام الآخرين وتحديدًا غير المُختصين؛ حتى لا تتعرض لزخم من الرسائل الاتصالية المُحبطة والهادمة، وتطبيقًا وتنفيذًا لأمر سيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: “استعينوا على قضاء أموركم بالسر والكتمان”، وفي الحقيقة أرى من وجهة نظري بأن هذا الأمر النبوي ليس فقط للحماية من الحسد والعين بل أيضًا لسببٍ آخر لا يقل أهمية وهو حتى لا نُصاب بخيبات الأمل بعد مشاركتها مع الآخرين الأمر الذي قد يُشعرنا بفقدان الشغف والانهزامية؛ كما أن في الكتمان عن الأحلام والآمال والأفكار عن الآخرين حماية لأحلامنا وأفكارنا من أن تكون عُرضة للسرقة من ضعاف النفوس.
ثانيًا: تحدث عن هدفك وعن فكرتك مع القريب الصادق الناصح الأمين أو مع مُختص يُقدم كل ما هو مُفيد بعلمه ودرايته، وليضيف لك بعض الأمور المساعدة على النجاح، وكما يُقال: “نصف عقلك عند أخيك”.

ثالثًا: تأكد من رغبتك في تحقيق الهدف الذي تريد، فالرغبة هي وقود يُساعدك على التغلب على العوائق التي قد تواجهك، وهذا ما قد نوه عند الدكتور النفسي “إبراهيم الفقي” في كُتبه الخاصة ببناء الذات وتحقيق الأهداف الشخصية، بقوله: “جميع الأهداف قادر الإنسان على تحقيقها، فالله سبحانه قد خلق الإنسان في أحسن تقويم لكن بشروط وهي: إيمانك بأهدافك ومن ثم تعلم طريقة تحقيقها ومن ثم وضعها في فعلك وعملك، ومن ثم تقيمها وتلتزم بها ولا تفقد إصرارك وإيمانك بها حتى تنال مُرادك وغايتك بتحقيق هدفك”.
رابعًا: لا تتنظر نظرة الإعجاب أو الانبهار من الآخرين بحديثك عن أفكارك وأهدافك المنشودة حتى لا تتكاسل وتتراخى بعد الحصول على نتيجة الأمر قبل حدوثه، فالاستمتاع يكون بعد تنفيذها وليس عند الحديث عنها.
أخيرًا كُن واثقًا بنفسك وبأهدافك، ولا تعطِ الآخرين الحق في أن يقللوا من فكرك وعملك، واعلم تمامًا بأن البعض ممن هم بدائرتك الاجتماعية يريدونك أن تلتزم بمكانك، لا يريدون لك التقدم والتفوق، فعليك أن تتمسك بأهدافك بعد دراستها جيدًا، وتواصل العمل حتى تصل إليها.

عمرو عادل بسيوني

محاضر - جامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى