المقالات

رحلة التلاقي بين العاطفة والمنطق

قد تتغلب العاطفة على المنطق عند كثير من الأشخاص؛ وذلك يعتمد على قوة تأثيرها على الأشخاص، وأحيانًا تعتمد على المواقف.
سأتحدث في مقالي هذا عن العاطفة من عدة جوانب..
أولًا: أهمية العاطفة في حياتنا..
ثانيًا: الحكمة الربانية من وجود العاطفة لدى البشرية..
ثالثًا: أبرز السمات الإيجابية للأشخاص العاطفيين..
رابعًا: خطورة تغلب الجانب العاطفي على العقل..

العقل والعاطفة هما هبة من الله سبحانه وتعالى زرعهما في النفس البشرية؛ فعلى سبيل المثال، قد تتغلب العاطفة على العقل لدى النساء والعكس صحيح لدى الرجال، فهذه سُنَن الحياة، تجد الأم أقوى عاطفة من الأب تجاه أطفالها، بينما يكون الرجل أقوى عقلًا في تدبير مصالحهم.
تحدث ابن تيمية عن العاطفة بقوله: إنها الحب كحب الله ورسوله، وحب الخير، وحب الجمال والسعادة، وكراهية الكبر والشر والشيطان والقبح والشقاء، وجميع هذه العواطف الإنسانية الفطرية في الإنسان.
ونجد أن مفهوم العاطفة عند علماء علم النفس الحديث لا يخرج عن مفهومها لدى ابن تيمية، فالعاطفة هي: الاستعداد الفطري والنفسي، بل الدافع الفطري كمثله لدافع الطعام.. وغيره من الدوافع الفطرية.
قد فطر الله الناس على هذه العاطفة لحفظ الإنسان والحياة واستمرارهم وفقًا لقدر الله في الحياة الدنيا، والهدف في النهاية هو بقاء البرية لعبادة الله. ابن تيمية ذكر: “والله – تعالى – خلق في النفوس حب الغذاء وحب النساء؛ لما في ذلك من حفظ الأبدان وبقاء الإنسان، فلولا حب الغذاء لما أكل الناس ففسدت أبدانهم، ولولا حب النساء لما تزوجوا فانقطع النسل، والهدف لوجود ذلك بقاء كل منهم ليعبدوا الله وحده، ويكون هو المعبود لذاته الذي لا يستحق ذلك غيره”.
وتتميز العاطفة بقوة التأثير، والبقاء الطويل، والاستمرارية في العطاء، والصدق لأنها شعور لا إرادي، والعفوية لأنها لا يمكن تصنيعها أو تنظيمها، ولعل الأشخاص العاطفيين أفضل وأنجح وأطول في العلاقات الاجتماعية.
وفي هذا السياق، يقول “هاري ميلز” مؤلف كتاب “فن الإقناع” إن العاطفة تتفوق على المنطق بعدة مزايا؛ أبرزها أن العاطفة تؤدي إلى تغيير السلوك بشكل أسرع من المنطق، وأن العاطفة تتطلب مجهودًا أقل مما يتطلبه المنطق، لذلك فإنها في هذا الصدد ستكون أكثر تأثيرًا.
تظهر خطورة العاطفة في المواقف من قبيل أن العواطف تدفعنا إلى التسرع في جوانب حياتنا، وتجعلنا نتسرع في اتخاذ القرارات، ونحكم على الأمور والأشخاص بسرعة؛ لأنها غالبًا لا تعتمد على العقل، بل تعتمد على التجارب الشخصية والمعرفة الذاتية لكل فرد.
وبتحكيم العقل في مواقفنا، يصبح تفكيرنا منطقيًا سليمًا؛ لأنه يعتمد على قواعد موضوعية لا تتغير بتغير الأشخاص أو المواقف.
“أن العاطفة والعقل أمران مهمان للإنسان، وبهما يتشكل وجوده، وأن لا يحدث صراع بينهما إلا إذا ضعف دور العقل وزادت العاطفة عن حدها، فهنا تكون العاطفة الفائزة على العقل، وينحرف التوازن النفسي بينهما، فينحرف الإنسان تبعًا لذلك عن طريق الهدى والفطرة السليمة” ابن تيمية.
ختامًا، يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين”. هذا يوضح أهمية التوازن بين العاطفة والعقل في حياة الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى