المقالات

العلل الخفية لفساد الذمم الوظيفية (٣)

(إبداع وعبقرية نزاهة)

لا يعدم العقل البشري من الفيوضات الربانية فتحًا وبصيرةً، وتلك من وسوم النجابة والعبقرية التي يسبغها رب العزة والجلال على من يشاء من خلقه، فتنفذ إلى مقاصدها بأيسر السبل دون ضجيج ولا صراخ، ولا افتعال معركة بدون غبار، لتؤتي أكلها ثمرات يانعة، ونتائج باهرة، وهذا ما نُشاهده عبر التاريخ من الرجال الذين تركوا بصمات لا تُمحى، وذكرى لا تزول بعد رحيلهم من هذه الحياة، لتبقى زادًا عبر الأجيال ونقطًا ضوئية في سيرهم المشعة بالإبداع، وأحسب أن عبقرية “نزاهة” ليست بعيدة النجعة والمنال عن سمات العبقرية والإبداع، بل وتتطابق معها حذو القذة بالقذة، والسن بالسن بعلاقة وطيدة، بتضمن، وتطابق، والتزام كما نص على ذلك علماء المنطق، ويعود الفضل لله -عز وجل- وحده ثم لربان الرؤية الأمير محمد بن سلمان (حفظه الله) الذي سطع نجمه في فلك الجدية، والعزم، والحزم، وأسس رؤية وفق فلسفة الحزم والعزم، تخطيطًا، وإدارة وتنفيذًا، وبدت سيفًا مسلطًا على الفساد بكل أشكاله وألوانه، وسمًا ناقعًا تتجرعه أسماك القرش البشرية، فتقذف بكل ابتلعته واكتنزتها بطونها وجلودها من الشحم الحرام، مؤثرة النجاة على الإدانة، والحرية على الجندلة في دار أبي سفيان، بعد أن أحاطت بها البينات، وحاصرتها الدلائل والبراهين من كل حدب وصوب، ولم تستطع منها فكاكًا كإحاطة السوار بالعصم، فقد أدرك سموه الكريم، استحالة تطبيق رؤيته المبدعة، دون مطاردة الفساد وقطع دابره وشرايينه المسمومة، فتركه سادرًا في غيه، متقنعًا بمكره وختله، يقضى على عمل طموح في مهده، مما يُعد خطرًا ماحقًا لا تستقيم معه نهضة، ولا تُشاد به أمة، فكر عليها (حفظه الله) متقفرًا جذروها، وراصدًا متعلقاتها، مستخدمًا كل وسيلة عادلة متجددة لاجتثاثها من جذورها غير بعيد عن ماهية تطوراتها وتحوراتها، لا سيما أن عناصر أدوات اللصوصية تتجدد أشكالًا وألوانًا، فحق للشعب السعودي أن يفخر بقيادته الشابة التي تطارد الفساد أينما حل وارتحل ولو بأثر رجعي، وتفتقت عبقرية عن منظومة (نزاهة الرقابية والمحاسبة) التي استنهضت جميع المواطنين برسائلها المتواصلة عبر أدوات التواصل الاجتماعي؛ للتعاون معها في محاصرة بعبع الفساد ومطاردته ومحاصرته وقطع دابره، وأخيرًا تُوجتْ تلك الجهود بلائحة منظمة لحماية المبلغين ماديًّا ومعنويًّا ووظيفيًّا من عادية الأذى، واعترافًا بجهودهم وتكريمًا لهم.
وكتبت هذه الأبيات تنويهًا بأهمية مكافحة الفساد:

تَفتَّقَ الفهْمُ والإبداعُ مُنتَصِبًا
وسارَ وعْيًا يُبيدُ الشَّكَ والتُهما

ويُوقفُ اللصَّ في أبوابِ سِرْقتهِ
في حالِ بؤسٍ من التحقيقِ مُلتَحِما

إبداعُ علمٍ وفَهمٍ لا نظيرَ له
يسري إلى اللصِّ إبراءً ومُنتَقَما

ويُقصِرُ الوقتَ تحقيقًا له أثرٌ
ما بينَ عُرفٍ يُميطُ الحقَ مُقْتَحِما

للهِ درُّ أميرٍ بيننا بَطلٌ
فدْ قالها جَهَرةً بالصدقِ مُحترَما

حقُ الأمانةٍ لا تُنسى مكانتُهُ
لو عاشَ لصٌ مسيرَ العصرِ مُكتتِما

مصيرُهُ القبضُ والتحقيقُ في أَمَدٍ
لا نجوةَ من عقابٍ جاءَ مُلتئما

ومنْ عجيبِ صَنيعِ البحثِ قدرتُهُ
كشفُ اللصوصِ جماعاتٍ ومنفصِما

ياويحَ من وقعتْ يُمناهُ في خَبَثٍ
في كلِ يومٍ يُطيح ُ البحثُ مُتَّهما

فَلْنشكُرِ اللهَ في إبداع ِ دولتَنا
حفظُ الرجالِ حراساتٍ ومُنتَظما

أ.د. غازي غزاي العارضي

استاذ الدعوة والثقافة بجامعة الاسلامية وجامعة طيبة سابقا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى