تحية إجلال وإكبار، وتقدير واعتزاز لكم أيها المعلمون والمعلمات، يا من حملتم رسالة (اقرأ) العظيمة، هنيئًا لكم هذا الشرف العظيم الذي لا يُدانيه شرف، لقد حملتم رسالة الأنبياء أيها الأوفياء الأنقياء، رسالة العزة والكرامة، رسالة الخير والفضيلة، أبشروا فقد قال عنكم المعلم الأول صلى الله عليه وسلم: “فضلُ العالمِ على العابِدِ، كفَضْلِي علَى أدناكم، إِنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- وملائِكتَهُ، وأهلَ السمواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ، ليُصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ”
على أيديكم يُصنع الرجال، وعلى عواتقكم تُبنى الآمال، وبهمتكم وقوة عزائمكم ينشأ الأجيال، وبإخلاصكم وتفانيكم ترقى البلاد لتُلامس عنان السماء فخرًا وعزًّا ومجدًا، بكم تزدهر الأوطان، ويسعد الإنسان، وتتذلل العقبات، وتهون الصعوبات.
أنتم فخر الأوطان في كل زمان ومكان، أنتم مشاعل النور في دياجير الظلام، وحاملو رسالة الخير والسلام، أنتم أمل البلاد، وفخر العباد، وسر نجاح الأمم، وعلو الهمم.
لا شك أَنّ المربي الحق هو الذي يكون قدوةً حسنةً لطلابه في أقواله وأفعاله، هو من يترك الأثر الحسن في نفوس طلابه، هو من يسعى لرفع المستوى العلمي، والمهاري، والأخلاقي لديهم بالممارسة، والمدارسة، والحوار الفعَّال، هو ذاك المعلم الذي يُمارس دور الأب، والأخ، والصديق؛ فيتقبل منه طلابه كل ما يريد حياءً، وتقديرًا، وتبجيلًا.
وإزاء هذا الدور العظيم للمعلم؛ فإنه من الواجب على جميع أفراد المجتمع احترامه وتشجيعه ومؤازرته وتحفيزه ليقوم بأداء رسالته بكل أمانة وإخلاص وتميز، بعيدًا عن تلك الأصوات الحاقدة والناقمة التي تهرف بما لا تعرف، فهناك من يُقلل من شأن المعلم، ويطالب بحرمانه من الامتيازات والحوافز، ويصفه بأوصاف لا تليق به وبرسالته السامية، ويُنادي باعتماد الأنظمة الآلية لضبط حضوره وانصرافه، ورصد حركاته وسكناته، وتقليص إجازاته، وغيرها من المثبطات.
وعندما يُعامل المعلم بقسوة لإثقال كاهله بأعباء لا تصب في مصلحة العملية التربوية والتعليمية، وتقف حجر عثرة في طريق أداء رسالته، والتضييق عليه من خلال العديد من اللوائح الجامدة؛ نجده ينفذها على مضض، فتنعدم لديه روح المبادأة والمبادرة والعطاء داخل الصف ومع طلابه، ولا يكون مبدعًا ومنتجًا؛ لأننا قتلنا في نفسه الطموح، وجعلناه كآلة يتم التحكم فيها كما نشاء.
وعندما تكون الأهداف محصورةً ومحدودةً في جعل المعلم ناقلًا للمعارف والمعلومات فقط، ومتواجدًا طيلة اليوم الدراسي داخل المدرسة مع تزويد المدارس بالأنظمة الآلية التي ترصد حضوره وانصرافه وتحركاته ومكوثه داخل المدرسة حتى في أوقات فراغه، وإلزامه بأعباء إضافية ليست من مسؤولياته؛ فتلك هي ثقافة (الإيداع) والتي تتفق مع المثل الصيني: (بإمكانك أن تذهب بالحصان إلى النهر، ولكن ليس باستطاعتك أن تجبره على الشرب).
إن التعنت في التعامل مع المعلم؛ ينعكس سلبًا على إنتاجه وعطائه داخل حجرة الصف، وعلاقته مع طلابه أثناء اليوم الدراسي، فإجبار المعلم على المكوث بين جدران المدرسة في الأوقات التي لا يوجد فيها أي أعمال أو واجبات يقوم بها كحصص الاحتياط والإشراف اليومي وغيرها؛ يزرع في نفسه الإحباط والكدر والضجر، وكأنه لا يوجد لديه التزامات أخرى أثناء يومه الدراسي، فكثير من المعلمين ليس لديهم القدرة على توفير سائقين لقضاء حوائجهم والتزاماتهم اليومية، ولديهم التزامات أخرى في الإدارات الحكومية، والكثير منهم يُعاني من الأمراض المزمنة التي تتطلب مراجعة المستشفيات والمراكز الصحية لمتابعة علاجهم والاهتمام بصحتهم الجسدية والنفسية.
المعلم يحتاج التحفيز وتوفير الجو اللائق والبيئة المناسبة والجاذبة المزودة بأحدث التجهيزات حتى يتمكن من أداء رسالته العظيمة بنفس راضية مطمئنة.
والمعلم بحاجة لدعمه وتقدير جهوده واستثارة الدافعية لديه ومنحه الثقة حتى يشعر بمكانته وعلو شأنه، فيعطي بلا كلل أو ملل، ومتى وجد المعلم ذاك الاهتمام والتحفيز من خلال تطوير مهاراته وقدراته، وتقديم الدورات التدريبية له في طرق التدريس، والمناهج والبرامج ذات الصلة بتخصصه، وتوسيع مداركه، واطلاعه على أحدث الدراسات العالمية في مجال التدريس لمواكبة التطورات والمستجدات التي يشهدها العالم اليوم؛ فحينها يكون المعلم قد تزود بقدر كبير من المعارف والمهارات والدورات والبرامج والأنشطة التي تسهم في تحقيق أهداف التعليم بالشكل المطلوب، وتلك هي ثقافة (الإبداع) التي يُنادي بها التربويون؛ حيث اعتبروا الأنشطة الطلابية المصاحبة للمقررات الدراسية على سبيل المثال من أهم ما يرسخ المعلومات والمفاهيم في أذهان الطلاب، ويُساعد الطلاب على زرع الثقة في النفس، وكسر حاجز الخوف والخجل في نفوسهم، وتنمية مهاراتهم وقدراتهم، وتعديل سلوكهم، وغيرها من الفوائد التي ينبغي أن يراعيها المنهج بمفهومه الحديث الذي يهتم بجميع عناصر العملية التعليمية، ومن أهمها إعداد وتأهيل المعلم بما يحقق تلك الأهداف.
كم هو جميل أن يهتم راسمو سياسات التعليم بهذه الجوانب المفيدة التي تضمن – بعد توفيق الله – تحويل ثقافة الإيداع إلى ثقافة الإبداع في البيئة المدرسية !
0