المقالات

أعظم سلاحين عرفهما التاريخ !

قد يظن البعض أن الحديث عن الترسانات النووية، أو عن الأسلحة البيولوجية والجرثومية واسعة الانتشار كأقوى سلاحين تدك بهما وتزلزل مواقع الخصوم، بيد أن الأمر أبعد ما يكون عن تلك الأسلحة التي يصبح استخدامها في لحظة ما جنونًا وانفلاتًا مرادفًا للخسارة والإحباط، وربما النهاية الخاسرة للجميع.

الحديث عن سلاحين أخلاقيين استخدمهما رجل الكهف، وهو يتربص بفريسته في الجبال والأدغال تمامًا مثلما استخدمهما ألبرت أنيشتاين، وهو يتتبع معادلته الرياضية والفيزيائية في النظرية النسبية.. سلاحان تسلح بهما الفراعنة والهند والصينيون مثلما استعملهما الأوربيون في الألفية الجديدة؛ فما هما ؟

إنهما سلاحا الوقت والصبر، امنح وقتًا واتبعه صبرًا، سلاحان لا يحملان رؤوس مدببة، ولا صواريخ موجهة، ولا قاذفات B52.. كل ما يحملانه غير مادي وغير محسوس بل إنه لا يمكن رؤيته، وإنما يمكن الاستمتاع بعظيم أثره.. بهذين السلاحين تحققت الكثير من المكاسب عبر تاريخ الإنسان على هذه الأرض منذ ولادة البشر وحتى ساعة كتابة هذا المقال.

حينما نمهل بعض الأمور وقتًا كافيًا؛ لتنضج ونصبر في سبيل ذلك الهدف السامي؛ فنحن في واقع الأمر نستخدم الزمن كأداة فاعلة في سبيل تحقيق مبتغانا، وعندما يكون الانتظار ليوم أو يومين أو شهر أو عام هو العامل الذي نعول عليه تحقق أهدافنا؛ فنحن في الغالب نُراهن على فرس رابح.

القرآن أخبرنا أن سيدنا يعقوب -عليه السلام- هزم الحسد وخيبة الأمل بالوقت والصبر، والتاريخ الإسلامي روى لنا أن سادة قريش اجتمعوا في خيف بني كنانة، وتعاهدوا على حصار محمد وبني هاشم في “شعب أبو طالب” حصارًا ماديًا واجتماعيًا لا يؤاكلونهم ولا يشاربونهم ولا يزوجونهم ولا يبايعونهم ولايشترون منهم ثم ماذا؟ بعد ثلاثة أعوام قال الوقت والصبر كلمتهما، وتم فك الحصار والرسول الأعظم ومن معه أكثر عزة ومنعة.

ألم يهزم طالوت وجنوده جالوت ومن معه بالوقت والصبر؟ ألم تقم النهضة العلمية في العصور الأوروبية الوسطى “القروسطية” بعاملي الوقت والصبر؟ ألم تصل النظرية الكوبرنيكية آنذاك إلى دحض مركزية الأرض في الكون بالوقت والصبر على التتبع والمتابعة؟ ألم يتبوأ ابن الهيثم والرازي وابن سيناء وابن رشد وديفيد هيوم وجون لوك وغيرهم كثير كل تلك المكاسب سوى بصبرهم على مناهجهم التجريبية والعلمية الأمبريقية؟

وأنت وأنا ! كيف حققت أمهاتنا عدة مكاسب بعيدًا عن ضربة الحظ ومحاسن الصدف التي كانت هي بدورها نتاج وقت وصبر لآخرين قبل أن تصل إلينا ؟ كيف أكملنا تعليمنا ؟ كيف بنينا أو تملكنا مساكننا؟ كيف ذهبنا وعُدنا من أسفارنا؟ كيف قضينا ديوننا والتزاماتنا ؟ ألم تكن كل هذه المعارك الحياتية ممتطية سيف الوقت ورمح الصبر؟

لم ولن يختار الإنسان رفيقًا موثوقًا في رحلة الحياة مثل اختياره لفضيلتي الوقت والصبر، وهما فضيلتان متلازمتان.. لا جدوى من أن نمنح أنفسنا الوقت مع التأفف والضجر وغياب الصبر، ولا قيمة أيضًا لبعض الوقت، وصدق الله إذ قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 200). نعم، لعلكم تفلحون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى