المقالات

أول رمضان في الغُربة!

الارتحال لطلب العلم (3)..

وطأت قدمي أرض “ويلز” مبتعثًا من جامعة الملك عبد العزيز أول مرة في أكتوبر عام 1987م، الموافق لنهاية شهر رجب عام 1407هـ، أي شهر واحد قبل حلول شهر رمضان المبارك لذلك العام، كان عدد ساعات الصيام في تلك الفترة حوالي (16) ساعة في اليوم؛ لأنه وافق دخول الشهر منتصف فصل الصيف لذلك العام، لدرجة أنني كنت بعد تناول طعام الإفطار أذهب لمسجد الجامعة لأداء صلاة العشاء والتراويح، والعودة ثانية للمنزل، والمكوث في المنزل لساعتين مع الأهل لمشاهدة برامج القناة الرابعة الإنجليزية “”BBC4، ثم العودة ثانية لأداء صلاة الفجر، كُنا نكتفي بوجبة الإفطار فقط لقصر ساعات الليل.
مستلزمات الشهر الفضيل من معجنات، وكنافة، وقطائف، ولحم الدجاج ومتطلبات الحساء، كنت مع الأهل قد أمنتها من مركز الوادي الأخضر في أجورد رود أو جادة أجورد في مدينة لندن، وبالنسبة لجميع أنواع الخضار والألبان كان يزودني بها مجانًا صاحب المنزل وزوجته “تريزا” من مزرعته الخاصة، أما لحوم الضأن فمن مزارع تربية المواشي في منطقة “بورث” القريبة من منزلي في “شارع القوس”؛ كنت أقوم بذبح الخروف، ويقوم صاحب المزرعة بسلخه وتقطيعه وتوصيله للمنزل.
في شهر رمضان كنا نشعر بنشاط وحيوية، ونحن في الجامعة لدرجة أن معظم الأبحاث والدراسات وكتابتها، كنت أقوم بها -بتوفيق الله- في الشهر الفضيل، فكُنا أغلب ساعات النهار الطويلة نقضيها في مكتبة الكلية.
كنت وزوجتي نحرص على سماع آذان وصلاة المغرب والعشاء والتراويح عبر الأثير “الراديو” من الحرم المكي الشريف بصوت الشيخ “عبد الله الخليفي”، -رحمه الله-، وبعد صلاة التراويح كنت مع الأهل نقضي أجمل الأوقات في مشاهدة برامج التلفزيون على القناة الرابعة، ومن البرامج المفضلة لنا أذكر برنامج “السعر الصحيح” (The Price is Right)، الذي قُدم أول مرة عام 1972م، قدمه المذيعان “جودسون” وزميله “بيل تودمان”، وهو برنامج ألعاب تلفزيوني يتنافس فيه المتسابقون من خلال تخمين أسعار المواد المعروضة أمامهم للفوز بالأموال والجوائز، ويتم اختيار المتسابقين من جمهور الاستوديو: حيث ينادي المذيع أسماءهم ويدعوهم “تعالوا للأسفل” “، Come on down))، وهي العبارة الشهيرة في البرنامج.
أما البرنامج الثاني فاسمه “المواعدة العمياء” ((The Blind Date، وهو برنامج صداقات تنتهي بالزواج؛ حيث يتم التعارف من وراء ستار. فيكون هناك أربع نساء متفاوتات في الجمال والمعرفة يقمن بالتحاور مع شخص غريب عنهن، ليس بينهم معرفة سابقة، ويكون الحوار من خلف حاجز، فقط بالصوت، فيقوم الشخص بطرح أسئلته في مختلف المجالات العلمية والاجتماعية، وتقوم النساء واحدة بعد الأخرى بالإجابة عليها، وبعدها يترك للشخص أن يختار واحدة منهن.
وأذكر من البرامج أيضًا ما يُسمى “ثقافات الشعوب” ((Global Cultures، كان يقدم يوميًّا رحلة سياحية ممتعة حول شعوب العالم، يحكي عن حياتهم وثقافاتهم وعاداتهم اليومية، وبعدها أعود إلى المسجد في الحرم الجامعي لأداء صلاة الفجر في الجماعة استعدادًا ليوم رمضاني جديد.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى