لا يخفى على أحد ما يُمثله العَلَم من قيمة وطنية، فهو رمز الوطن والمواطنة والوطنية، وهو التعبير والترجمة الحقيقية لمعاني الهوية والانتماء، والولاء لله ثم المليك والوطن. وهو بالنسبة لنا كسعوديين، تجسيد لمشاعر التلاحم والولاء والائتلاف، وشاهد على ملحمة الوحدة والتوحيد والتنمية والبناء على يد القائد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، إلى جانب كونه رمزًا وطنيًا يعكس المبادئ والقيم التي قام عليها الوطن.
ويُجسد العلم الوطني مفهوم الدولة، ويعبر عن الوحدة الوطنية والعُمق التاريخي لها، فقد تأصلت جذورها منذ عهد الدولة السعودية الأولى التي تأسست على يد الإمام محمد بن سعود عام 1139هـ-1727م، والذي ما إن تسلم مقاليد الحكم في الدرعية حتى رفعت أول راية في التاريخ السعودي، وقد جاء في وصف أول راية سعودية رُفعت أنها “خضراء منسوجة من الخزّ والإبريسم (أجود أنواع الحرير)، مكتوب عليها كلمة “التوحيد، لا إله إلا الله محمد رسول الله، معقودة على سارية بسيطة”. كانت الراية خضراء، وكان الجزء الذي يلي السارية جزءًا أبيض، أما شهادة التوحيد فكانت منسوجة على سطرين متتاليين. ووصف الرحالة الإسباني دومينجو باديا ليبيلخ في مذكراته قوله: إنه حين وصل إلى مكة المكرمة في عام 1221هــ-1807م، أُتيحت له رؤية دخول جيش الإمام سعود بن عبد العزيز إليها وهم في ثياب الإحرام، وكان عددهم 45 ألفًا، وشاهد الجيش يزحف إلى مكة ليؤدي المناسك يتقدمه عَلَم أخضر، طُرزت عليه بحروف كبيرة بيضاء عبارة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”.
ومنذ ذلك التاريخ ظل العلم السعودي يُجسد رمزية الدولة في السلام والتزام عقيدة التوحيد، وهو تجسيد لمفهوم الدولة، ويُعبر عن الوحدة الوطنية والعُمق التاريخي للمملكة العربية السعودية. ويُعد العلم في المملكة رمزًا للدولة والوطن؛ حيث يُعبّر عن الشموخ والعزة والمكانة والكرامة، والمبادئ التي تقوم عليها البلاد.
ويستمد العلم السعودي أهميته لثلاثة أسباب: أولهما أنه من أقدم الأعلام بالنسبة لدول العالم، والتي لم يتغير شكلها منذ ثلاثة قرون، وثانيهما أنه لا يُنكس عند منتصف ساريته لأي سبب من الأسباب، وثالثهما لأنه يعدّ من الأعلام المميزة التي لا تتشابه مع أي من أعلام الدول الأخرى. تجتمع في العلم الوطني السعودي الكثير من الخصائص التي تجعله متميزًا عن رايات وأعلام الدول الأخرى، ومما يُعرف عن العلم السعودي أنه على امتداد تاريخ أحداث الدولة السعودية بأطوارها الثلاثة لم يتعرض يومًا إلى الحرق أو التدمير.
ويُعتبر يوم 11 مارس 1937 الموافق 27 من ذي الحجة 1355هـ يومًا هامًا ومميزًا في الأجندة الوطنية السعودية، فهو اليوم الذي أقر فيه الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – يرحمه الله- العلم السعودي بشكله الذي نراه اليوم. ويُشير العلم السعودي إلى التوحيد والعدل والقوة والنماء والرخاء، وصدور الأمر الملكي الكريم بتحديد يوم 11 مارس من كل عام يومًا خاصًا بالعلم، يُجسد مدى عناية حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله-، وحرصها وعنايتها بالأيام التاريخية والوطنية المهمة في مسيرتنا التاريخية المباركة.
والعلم السعودي مستطيل الشكل، عرضه يُساوي ثلثي طوله، ولونه أخضر، ممتدًا من السارية إلى نهاية العلم تتوسطه الشهادتان (لا إله إلا الله محمد رسول الله) مكتوبة بخط الثُلُث العربي وسيف مسلول تحتهما موازٍ لهما، تتجه قبضته إلى القسم الأدنى من العلم، وترسم الشهادتان والسيف باللون الأبيض، ويدل السيف على الصرامة في تطبيق العدل، بينما تدل الشهادة على الحكم بالشريعة الإسلامية للدولة. وجاء ذلك متوارثًا من الراية التي كان يحملها حكام آل سعود حين نشرهم للدعوة وتوسيع مناطق نفوذهم إبان الدولة السعودية الأولى، والعلم السعودي اليوم هو نفس الراية والبيرق الذي كان يحمله جند الدولتين السعودية الأولى والثانية منذ نشأتها.
اليوم ونحن نحتفل بهذه المناسبة الوطنية ذات الدلالة التاريخية الهامة؛ فإننا نرفع أسمى آيات الشكر والعرفان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ولسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله- لجهودهما العظيمة في تأصيل الهوية والوطنية السعودية، والعمل على تعزيز مفهوم الانتماء في هذا الوطن العزيز الذي أعزه الله بضمه لأقدس بقاع الأرض، وبراية التوحيد، وبخدمة الحرمين الشريفين وحجاج بيت الله الحرام والزوار والمعتمرين.