المقالات

سنة أولى ابتعاث

الارتحال في طلب العلم
تُعتبر السنة الأولى للمبتعث سنة الأساس، فإن استطاع التأقلم مع البيئة الدراسية من مشرف ومكتبات ومحاضرات وأسلوب حياة يختلف تمامًا عمَّا تعود عليه قبل البعثة، عندها تكون الأمور شبه طبيعية، وقد تعوَّدنا في المملكة-حماها الله- على توفير كافة المتطلبات داخل نطاق الأسرة، أما هنا فينطبق علينا: “ما حك جلدك غير ظفرك فتول أنت جميع أمرك”.
كان لأم مشرف دور بارز في تولي الكثير من المهام الخاصة بالمنزل والأبناء، التي مكنتني من التفرغ للدراسة. سارت الأمور على أحسن حال ولله الحمد والمنة، وبعد ستة أشهر، وإذا بصاحبة المنزل تُخبرنا بنيتها لبيعه، ولتخفف من الصدمة؛ خاصة أن الحصول على منزل مناسب في مدينة صغيرة صعب جدًّا، قالت: إنها وضعت شرطًا في عقد البيع وهو يمكننا البقاء في المنزل حتى الحصول على منزل بديل.
شكرتها، وبدأت البحث عن منزل آخر، وبتوفيق الله ثم دعاء والدتي الحبيبة، فبمجرد دخولي إلى مكتب تأجير المساكن في الجامعة، ذكر لي الموظف المختص أن هناك منزلًا يحتوي على ثلاث غرف نوم مع حديقة خلفية ويبعد عن الجامعة مسافة خمسة كيلومترات، على الطريق المؤدي لمدينة بيرمنجهام والمعروف بشارع “القوس”.
أخبرت الأسرة “أم مشرف” بذلك تمهيدًا للانتقال للمنزل الجديد بعد معاينته والاتفاق مع مالكه على تفاصيل العقد؛ ذهبت مع أم مشرف إلى المنزل الجديد لمقابلة المالك، وجدت المالك وزوجته في انتظارنا داخل المنزل، وكان الوقت مساءً والجو في منتهى البرودة؛ لأننا في بداية موسم الشتاء، بمجرد أن طرقنا الباب وإذا بصاحب المنزل يستقبلنا بحذر شديد، وكان استقباله فاترًا وتلك عادة أهل مقاطعة ويلز، قامت أم مشرف مع زوجة المالك “تيريزا” التي كانت معاملتها راقية بتفقد المنزل من مطبخ وغرف نوم وغيرها.
بعدها ذكرت له أن المنزل مريح، وأبديت رغبتي لاستئجاره كسكن لي ولأسرتي المكونة من الزوجة وثلاثة أبناء، بعد معرفته بأني أقطن في قرية مجاورة، عندها وضع شرطاً لموافقته وهو إحضار “مُعرف” من أهل تلك القرية يزكيني عنده “مزكي”، لأنه لا يريد جارًا مزعجًا؛ لأنه سوف ينتقل مع زوجته وابنه -الذي عرفت بعد ذلك أنه يعمل في قسم الصيانة بالجامعة- إلى المبنى المجاور الذي تم الانتهاء من بنائه حديثًا.
عندها طلبت من صاحبة المنزل السابق السيدة الرائعة “رونا” الذهاب معي إلى مالك المنزل الجديد؛ لتزكيتي عنده حتى ننهي عقد الإيجار. في الأثناء علمت أن ابن صاحب المنزل سأل عني في الكلية؛ وذلك ما أخبرتني به المشرفة عند انتهائي من الدراسة.
في اليوم التالي ذهبت إلى صاحب المنزل برفقة صاحبة المنزل السابق، أخذته جانبًا وبدأ الحديث بينهما باللغة الولشية، وهي اللغة الأم لأهل تلك المنطقة من بريطانيا. بعدها تغيّرت المعاملة وإذا بصاحب المنزل يبتسم ويطلب مني الجلوس وشرب الشاهي وبعد الانتهاء، وإذا به يقول لي: سيد عساس يمكنك استلام المنزل من الآن على أن نعمل العقد غدًا وبعد مرور أسبوع من توقيع العقد انتقلنا إلى منزلنا الجديد الواقع على تلة مع حديقة خلفية بها جميع أنواع الخضراوات، وكان صاحب المنزل رجلًا في الثمانين من عمره متقاعدًا.. هوايته الزراعة وتربية الماشية، فكان يوميًا يزودنا بما نحتاج من خضار من المزرعة، وذلك ببركة دعاء والدتي الحبيبة التي كانت دائمًا تردد: “أسأل الله أن يجعل لك رفيق في كل طريق”، وقد كان ولله الحمد والمنة، وبدأت مرحلة جديدة مع جيران جُدد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى